ذلك لأنه جواب لقولك، كان زيد سيقوم فتقول: ما كان زيد ليقوم، فلما
كانت جوابا لشيئين و (ما) حرف لا يعمل أرادوا أن يكون الجواب أيضا بحرف لا يعمل في
الفعل ليشاكل الجواب ما هو جواب له، فلهذا لم يحسن إظهار (أن).
فأما (الفاء) و (الواو) و (أو) فحروف عطف، و حروف العطف لا تعمل شيئا
لأنها لا تختص بالدخول على الفعل دون الاسم و لا بالدخول على الاسم دون الفعل، و
كل حرف كان على هذا السبيل لم يعمل شيئا، فلما وجدنا الفعل بعد هذه الحروف منصوبا
علمنا أنه انتصب بغيرها و هو (أن).
فإن قال قائل: فلم صارت (أن) بالإضمار أولى من أخواتها؟
ففي ذلك وجهان:
أحدهما: أنّ (أن) هي الأصل لهذه الحروف في العمل لما ذكرناه فوجب أن
يكون المضمر (أن) لقوتها في بابها، و أن يكون ما حمل عليها يلزم موضعا و لا يتصرف.
و الوجه الثاني: أنّ (أن) يليها الماضي و المستقبل فصارت أشد تصرفا
من أخواتها لأنه لا يليها إلا المستقبل فلما حصلت لها مزية على أخواتها في الإظهار
كانت أولى بالإضمار، و أيضا فإنّ (أن) ليس لها معنى في نفسها كمعنى: (لن) و (إذن)
و (كي)، و لأجل نقصها في معناها جاز أن تحذف و لم يجز إضمار أخواتها لكثرة
فائدتها.
فإن قال قائل: فهلّا يجوز القياس على هذا حتى يجوز إضمار (أن) في كل
موضع؟
قيل له: لا، فإن قال: فلم خصت هذه المواضع بهذا؟
قيل له: إنما لم يجز إضمار (أن) في كل موضع لأنه عامل ضعيف، و ليس من
شرط العامل الضعيف أن يعمل مضمرا، و إنما جاز إضماره في هذه المواضع لأن