أحدهما: أن يكون الابتداء بالشك أو التخيير، و إنما احتاجوا إلى ذلك
لئلا يتوهم أن ما قبل (إما) منقطع مما بعدها؛ لأنه قد يستأنف بعدها الكلام،
فأدخلوا (ما) في الكلام ليعادلوا بين الاسمين إن شاء اللّه.
و أما (بل) فتستعمل على ضربين:
أحدهما: بعد النفي، و الآخر: بعد
الإيجاب.
و إذا استعملت بعد النفي كان خبرا
بعد خبر و الثاني موجب و الأول منفي، كقولك: ما جاء زيد بل عمرو.
و إن استعملت بعد الواجب فما قبلها
يذكر على وجهين:
إما على طريق الغلط، و إما على
طريق النسيان، كقولك: جاء زيد بل عمرو، و إنما صار الأول غلطا أو نسيانا؛ لأنك
أثبت للذي أتيت به بعد الأول المجيء، و أضربت به عن الأول فعلم أنه مرجوع فيه، و
ما جاء في القرآن من كلام اللّه تعالى و (بل) مستعملة فيه بعد إيجاب، فهو على
تقدير خبر واجب؛ لأن اللّه عز و جل لا يجوز عليه الغلط و النسيان، فلهذا قدرناها
على ما ذكرناه.
و أما (لكن) فإنها إذا استعملت بعد
النفي جرت مجرى (بل) بعد النفي، و إذا استعملت بعد الإيجاب لم يجز أن يقع بعدها
إلا جملة مضادة للجملة التي قبلها كقولك: جاءني زيد لكن عمرو لم يجئ، و إنما لم
يجز أن تقول: جاءني زيد لكن عمرو، و تسكت؛ لأن ذلك يوجب الغلط لما ذكرناه فقد
استغني في ذلك ب (بل) إذ لا تحتاج العرب أن تكثر الحروف الموجبة للغلط، فإذا كان
كذلك وجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها ليكونا خبرين مختلفين.