و كان المنصوب بعده و إن كان معرفة يشبه التمييز و إن كان ليس بتمييز
في الحقيقة، و وجه شبهه بالتمييز أنك إذا قلت ما أحسن، فقد أبهمت فإذا ذكرت زيدا
أو عمرا بينت من الذي قصد بالإخبار عنه بهذا المعنى، و إن لم تجعل نصبه على هذا
المعنى؛ لأن فعله مقول عنه، فجرى مجرى المفعول الذي يتعدى[1]إليه الفعل، و خرج عن حكم التمييز،
و هو مع ذلك يجري مجرى المثل لا يفارقه لفظه في المذكر و المؤنث و التثنية و
الجمع، و الأمثال حقها ألا تغير عما سمعت، فلما اجتمع في فعل التعجب هذه الجهات
التي ذكرناها منع الفصل بينه و بين مفعوله إذ كانت الأشياء حقها ألا يفصل بينها و
بين ما تعمل فيه، فأما من أجاز الفصل بينه و بين معموله بالظرف و حروف الجر[2]فقال إن
فعل التعجب و إن لم يتصرف فليس يكون أضعف من الحروف؛ لأنه لم يخرج من الفعل إذ لم
يتصرف، و قد وجدنا الحروف الناصبة يفصل بينها و بين ما تعمل فيه بالظرف، فكان [فعل
التعجب][3]أولى
بجواز الفصل، و هذا لا يدخل على ما ذكرناه؛ لأن اجتماع الأمور التي ذكرناها
مجموعها منع الفصل، و أما إذا انفرد بعض أوصافه فليس يجب أن يجري حكمه مجرى مجموع
الأوصاف.
فإن قال قائل: قد قالت العرب ما أحسن بالرجل أن يفعل الجميل [و قد
فصل بين][4]التعجب
و ما عمل فيه بحرف الجر؟
قيل له: لا يلزم، و ذلك إن كان أوقع التعجب بأن، وقع بها فهي و ما
بعدها مصدر و المصدر إنما يقع من الرجل المخصوص؛ لأن معنى الكلام: ما أحسن فعل