و كذلك سمي الظرف مفعولا فيه؛ لأن معنى الفعل أنه حلّ فيه، و كذلك
الحال إذ كان معنى قولنا: أقمت ضاحكا أي إقامتي في هذه الحال، و كذلك قولنا: جئتك
مخافة الشرّ. فسمي أيضا من أجله؛ لأن اللام مقدرة[1].
اعلم أن الأصل في هذا الباب أن يتعدى بحرف الجر، و إنما حذف حرف الجر
استخفافا و لا يقاس عليه، و أكثر ما يحذف منه حرف الجر إذا كان في الفعل دليل
عليه، ألا ترى أن قولك: اخترت الرجال زيدا، أن لفظ الاختيار يقتضي تبعيضا، فلهذا
جاز حذف (من) لدلالة الفعل عليها.
و منه ما يحذف استخفافا لكثرته في كلامهم كقولهم: نصحت زيدا، و سميتك
زيدا و كنيتك أبا عبد اللّه[3]، لأن هذه الأشياء قد كثرت في كلامهم
فاستخفوها فحذفوا حرف الجر. و كلتك، و وعدتك حذفوا حرف الجر إذ لا يشكل معناها،
فأما الباء في قولك: لست بمنطلق، فليست ما تقتضيه منها ليس اقتضاء الأفعال لحرف
الجر، إذ كانت (ليس) تعمل في الخبر كعمل كان في خبرها، و إنما تدخل في خبر (ليس)
على طريق التوكيد للنفي لما ذكرناه في باب (ما) فاعرفه، و قد تحتمل أن تجعل من
[في][4]قولك
(من رجل) مفيدة ذلك؛ لأن أحدا تستعمل بمعنى العموم، فإذا قلت ما جاءني أحد، جاز أن
يتوهم ما جاءني واحد فإذا دخلت (من) بطل هذا المعنى، و صار اللفظ مختصا لنفي
الجنس.