فإن قال قائل: فلم حسن النصب في قولك: ما صنعت و أباك؟
قيل له: لأن ضمير المرفوع لا يحسن العطف عليه إلا أن يؤكد فعدل به
إلى النصب لقبح العطف على الضمير المرفوع، فإن أكدت الضمير قلت: ما صنعت أنت و
أبوك؟ حسن الرفع، و النصب/ جائز فاعرفه.
و اعلم أنه ليس كل فعل يحسن فيه هذا لو قلت: قمت و عمرا، لم يحسن و
يجوز مع ذلك، و الأحسن أن يستعمل هذا الباب في كل فعل تعلق بمعنى (مع)، ألا ترى أن
قولك: ما صنعت يقتضي (مع) إذ كان قولك ما صنعت يقتضي مصنوعا معه، فلهذا حسن تقدير
(مع) في هذه الأفعال.
فإن قال قائل: فمن أين جاز أن تنوب الواو عن معنى (مع)؟
قيل له: لأن (مع) تقتضي مشاركة ما بعدها مع ما قبلها كقولك: جاءني
زيد مع عمرو، فعمرو قد شارك زيدا في المجيء كما شاركه لو قلت: جاءني زيد و عمرو،
فلهذا قامت مقامه.
و اعلم أن المفعولات التي ذكرناها إنما نسبت إلى ما ذكرناه من أجل
المعنى فسمي المصدر مفعولا مطلقا؛ لأن العامل أحدثه.
و سمي زيد و ما جرى مجراه من المفعولات مفعولا به؛ لأن الفاعل لم
يفعل زيدا و إنما هي أفعال تحل بزيد، فلأجل تقديرنا أن الفعل حلّ به سمي مفعولا
به.