و الباء/ قد بينا أنها لتوكيد[1]النفي فقبح أيضا أن يجمع بينهما
لاشتراكهما في المعنى.
فإن قال قائل: فقد جوزت أن تلي (الباء) (ما) في قولك: ما بقائم زيد،
(و اللام) لا يجوز أن تدخل على (أن) بحال فما الفصل بينهما؟
فالجواب في ذلك أن (اللام) مجردها يفيد التوكيد للجملة التي تدخل
عليها كما تفيد (أن)، و هما جوابان للقسم فقبح الجمع بينهما لاشتراكهما في معنى
واحد، و أما (الباء) فليست في نفسها للنفي و إنما هي مؤكدة لمعناها، و لأجل
مخالفتها في المعنى لحكم النفي جاز أن يليه، فلهذا خالفت اللام (الباء) لما
ذكرناه.
فإن قال قائل: أ ليس تقول: جاءني القوم كلهم أجمعون[2]، فتجمع بين توكيدين، فهلّا جاز الجمع بين اللام و (إن)؟
فالجواب في ذلك أن أجمعين يفيد ما لا يفيده كلهم، و ذلك أن قول
القائل:
جاءني القوم كلهم، يفيد مجيئهم، و الدليل على أنه لم يبق بعضهم، و
أجمعون يفيد ما أفاد كلهم و يزيد اجتماعهم في حال المجيء، فلما اختلف[3]معنيا
التوكيدين جاز الجمع بينهما، و قبح الجمع بين (اللام) و (إن) لا تفاقهما في
المعنى.
فإن قال قائل: أ ليس قد تقول جاءني القوم أجمعون أكتعون أبصعون، فكل
هذه الألفاظ التي بعد أجمعين لا تفيد إلا ما تفيد أجمعون و قد جمعت بين توكيدين
بمعنى واحد؟
فالجواب في ذلك: أن الأسماء التي بعد أجمعين لا معنى لها في نفسها و
لا تستعمل بحال مفردة، و إنما أتبع أجمعين بها لتحسين المعنى و توكيده، فلهذا جاز