أن يكون فاعلها قبل مفعولها، فرفع ما عملت فيه فقدم على منصوبها
تشبيها ب (ليس) على أصل موضع عمل الأفعال، فإذا زالت (ما) عن ترتيب الأصل زال
عملها و رجعت إلى ما تستحقه من القياس، و هذه العلّة كافية في (ما) و انصرافها عن
العمل.
و اعلم أن (إن) الخفيفة المكسورة الألف قد تدخل على (ما) زائدة، إلا
أنها متى دخلت عليها بطل عملها للفصل بينها و بين ما تعمل فيه، إذ كانت حرفا
ضعيفا، و جرت في بطلان عملها إذا دخلت (إن) عليها مجرى (إنّ) إذا دخلت (ما) عليها
نحو: إنما زيد قائم، فصارت (إن) مع (ما) ك (ما) مع (إن) في قولك: إنما زيد قائم.
فإن قال قائل: أيجوز إدخال الباء على خبر (ما) إذا تقدم؟ و ما
الفائدة من إدخالها؟
فالجواب في ذلك أنه غير ممتنع إذا أدخل الباء على خبر (ما) إذا تقدم
كقولك: ما بقائم زيد، و الأحسن تأخيرها، و أما فائدة دخول الباء فلوجهين أحدهما:
التوكيد للنفي.
و الثاني: أن تقرر أنها جواب لمن قال: إن زيدا لقائم، فالباء أدخلت
بإزاء اللام في خبر (إن).
فإن قال قائل: فلم كانت الباء أولى بالزيادة من بين سائر الحروف؟
فالجواب في ذلك أنها حرف واحد لا تفيد إلا الإلصاق. فلما أرادوا نفي الخبر أدخلوا
الباء على الخبر لإلصاق[1]المعنى بالباء فلهذا كانت أولى من
سائر الحروف بالزيادة في هذا الموضع على ما بيّناه، و إنما قبح أن تلي الباء (ما)
لما كان قبح أن تلي لام التوكيد ل (إن)، و أما السبب في قبح الموضعين أن اللام
للتوكيد و (إن) للتوكيد فاستقبح الجمع بين توكيدين.