ثمّ تصدّى هو (رحمه الله) لحلّ الإشكال بما حاصله : أنّ ترتّب الـمُنشأ على ألفاظالعقود والإيقاعات ليس من قبيل ترتّب المسبّبات على أسبابها ، كترتّب الإحراق على الإلقاء في النار ، أو كترتّب حصول السنبل على إلقاء البذر ، فمثل هذين المثالين يكونان من ترتّب المسبّب على السبب ، بفرق أنّ السبب في المثال الأوّل سبب تامّ ، ويكون المسبّب فعلا لفاعل السبب حقيقة ، إلاّ أنّه فعل غير مباشر ، وفي المثال الثاني مقدّمة إعداديّة ، ويفصل بينه وبين المسبّب ما يكون خارجاً عن قدرة فاعل السبب واختياره ، فلا ينسب المسبّب حقيقة الى فاعل السبب .
وأمّا ما نحن فيه فليس من هذا القبيل ، وإنّما هو من باب إيجاد ذي الآلة بالآلة كالتكلّم باللسان ، أو الكتابة بالقلم ، وهذا يكون فعلا مباشراً للفاعل لا مسبّباً توليديّاً وفعلا غير مباشر . نعم ، هذه المنشآت تارةً ينظر إليها باعتبار ذاتها من حيث هي هي بقطع النظر عن انتسابها الى الفاعل ، واُخرى ينظر إليها باعتبار انتسابها الى الفاعل ، وإن شئت فعبّر عن الأول بالمعنى الاسم المصدري ، وعن الثاني بالمعنى المصدري .
ودليل إمضاء هذه المنشآت إن كان ناظراً إليها بالمعنى المصدري ، فإمضاء المنشأ بالإنشاء عين إمضاء إنشائه بالآلة المعدّة لإنشائه ، فإنّ إمضاء الكتابة بمعناها المصدري عين إمضاء إيجادها بالقلم ، وإن كان ناظراً إليها بالمعنى الاسم المصدري فكذلك . لأنّ التغاير بين المعنى المصدري والمعنى الاسم المصدري ليس إلاّ بالاعتبار .
أقول : إنّ هذا البيان ـ إشكالا وجواباً ـ يشتمل على خلط غريب بين الـمُنشأ والثمرة التي تثبت بالشرع أو القانون أو عرف العقلاء ، وذلك لأنّ تصوير الإشكال ـ بكون الشكّ في المسبّب شبهة مصداقيّة للعامّ ـ يتوقّف على كون المراد