يوم في طريقه على باب بشر فسمع من البيت صوت الملاهي والأغاني والرقص، وخرجت من البيت جارية تحمل الوساخات التي تجمع من البيت بالمكنسة، فصبّتها في خارج البيت، فقال لها الإمام يا جارية هل صاحب هذا البيت حرّ أو عبد؟ فقالت: بل حرّ، فقال : صدقتِ لو كان عبداً لكان يخشى مولاه. فلمّا رجعت الجارية إلى البيت كان سيّدها بشر جالساً على مائدة الخمر، فسألها عن سبب تأخيرها، فقصّت الجارية له ما جرى بينها وبين الإمام من الحديث لدى الباب، فأثّر ذلك في نفس بشر، وخرج حافياً إلى الإمام ، وبكى واعتذر وتاب على يده [1].
وعلى أيّة حال، فلو ثبت أنّ بعض هؤلاء كانوا من الصوفيّة ومع ذلك كانوا يحبّون الإمام المعصوم أو يستفيدون من معينه بعض الفوائد، فهذا لا يبرّر صحّة طريقهم، فإنّ الإمام لا يبخل حتّى بهداية المنحرفين الذين لا يقبلون رفض انحرافهم من الأساس، ولكنّهم يقبلون ببعض الإرشادات الصحيحة.
النتيجة :
والذي نستنتجه من مجموع ما ذكرناه في النقطتين الرابعة والخامسة ما يلي:
إنّنا لا نقبل بما يسمّى بالعرفان ويكون مليئاً بالخُرافات، والذي يرادف التصوّف، أو يُفتَرض مرتبة أعلى من التصوّف، ولكنّنا في نفس الوقت لا نقبل بأنّ أمر الشريعة مقتصر على القشر الذي يكتفي به جَمْع ممن يُسمّون بالمقدّسين: من صلاة ظاهريّة، وصوم جافّ وما إلى ذلك « وَكم مِنْ صَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلاَّ الجُوعُ والظّمأ، وَكَم مِنْ قَائِم لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلاَّ السَّهَرُ والعَنَاءُ، حَبَّذا نَوْمُ الأكْيَاسِ