وأمثالهم محكومون بالفشل سلفاً، لأن الله عزّ وجلّ قد وضع سنّة التفاوت والتعدديّة في خلقه.
نعم؛ لقد قال الله تعالى: وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (المؤمنون/ 52) ولكن هذا لا يعني أن نفرم جميع البشر ثم نخرجهم كهيئة القوالب. فالسّر الأوّل لقوّة الإسلام وانتشاره الأوّل هو أنه اعترف بالفوارق ولم يذوب الناس أو يفرمهم. لقد استطاع الإسلام أن يسيطر على نصف الكرة الأرضية خلال خمسة وعشرين عاماً فقط، لأنه اعترف لهذه القبيلة بمكانها ولرئيس القبيلة بمكانته.
إن رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يفرض على نفسه في يوم من الأيام زيّاً أو مطعماً أو مشرباً خاصّاً لئلّا يقال من بعده هذا زي رسول الله أو مطعمه أو مشربه، بل أتاح لأتباعه الفرصة في اختيار ما يحتاجونه من لباس أو طعام أو شراب. وصحيح أن القرآن الكريم والنبي العظيم قد بيّنا الآداب الإسلامية، ولكن الرسول نفسه كان في كثير من الأوقات يأكل شيئاً ولا يأكل شيئاً آخر. ورسول الله نفسه كان قد قال:
«إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» [1]
وفي هذا النص تصريح مباشر واعتراف كامل بحق الناس في الاختيار، بل وفي سنّة الله التي فطروا عليها. ولو كان الإسلام قد انتهج ما ينتهجه الظالمون من كبت ومصادرة حقوق لما حالفه النجاح أبداً.