أَبْلَغَ الْإِيعَازِ، وَأَكَّدَ فِيهِ أَكْثَرَ التَّأْكِيدِ، فَلَمْ أَشْعُرْ بَعْدَ أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله إِلَّا بِرِجَالٍ مِنْ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَهْلِ عَسْكَرِهِ قَدْ تَرَكُوا مَرَاكِزَهُمْ، وَأَخْلَوْا بِمَوَاضِعِهِمْ، وَخَالَفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله فِيمَا أَنْهَضَهُمْ لَهُ وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ مِنْ مُلَازَمَةِ أَمِيرِهِمْ وَالسَّيْرِ مَعَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ حَتَّى يُنْفَذَ لِوَجْهِهِ الَّذِي أَنْفَذَهُ إِلَيْهِ، فَخَلَّفُوا أَمِيرَهُمْ مُقِيمًا فِي عَسْكَرِهِ وَأَقْبَلُوا يَتَبَادَرُونَ عَلَى الخَيْلِ رَكْضًا إِلَى حَلِّ عُقْدَةٍ عَقَدَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ لِي فِي أَعْنَاقِهِمْ فَحَلُّوهَا، وَعَهْدٍ عَاهَدُوا اللهَ وَرَسُولَهُ فَنَكَثُوهُ، وَعَقَدُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَقْدًا ضَجَّتْ بِهِ أَصْوَاتُهُمْ وَاخْتَصَّتْ بِهِ آرَاؤُهُمْ، مِنْ غَيْرِ مُنَاظَرَةٍ لِأَحَدٍ مِنَّا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَوْ مُشَارَكَةٍ فِي رَأْيٍ، أَوِ اسْتِقَالَةٍ لِمَا فِي أَعْنَاقِهِمْ مِنْ بَيْعَتِي، فَعَلُوا ذَلِكَ وَأَنَا بِرَسُولِ اللهِ مَشْغُولٌ، وَبِتَجْهِيزِهِ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ مَصْدُودٌ؛ فَإِنَّهُ كَانَ أَهَمَّهَا وَأَحَقَّ مَا بُدِئَ بِهِ مِنْهَا، فَكَانَ هَذَا يَا أَخَا الْيَهُودِ أَقْرَحَ مَا وَرَدَ عَلَى قَلْبِي مَعَ الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الرَّزِيَّةِ وَفَاجِعِ المُصِيبَةِ وَفَقْدِ مَنْ لَا خَلَفَ مِنْهُ إِلَّا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَصَبَرْتُ عَلَيْهَا إِذْ أَتَتْ بَعْدَ أُخْتِهَا عَلَى تَقَارُبِهَا وَسُرْعَةِ اتِّصَالِهَا.
ثُمَّ الْتَفَتَ عليه السلام إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ
: أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟.
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عليه السلام» [1]
. كيف طالب الإمام عليه السلام بحقه:
ولم يشأ الإمام علي عليه السلام أن يحمل السيف، ويأخذ حقه بقوة السلاح لأمرين- كما يبدو للباحث في تاريخه- وهما:
أولًا: لأنه لم يجد تجاوبًا كافيًا لدى المؤيدين له، مما كان يجعل مطالبته نوعًا من المغامرة.
[1] بحار الأنوار: ج 28، ص 207.