ج- إن الوسائل الحديثة، قد فتحت أمام الإنسان آفاقا واسعة، والذين يسدون على أنفسهم هذه الآفاق ولا يستثمرونها، يضاعفون التعب على أنفسهم عبثا. ويرى كلود برنارد: كلما ظهرت وسيلة جديدة أكيدة في التحليل التجريبي، رأينا العلم يتقدم في المسائل التي يمكن أن تطبق عليها هذه الوسيلة، وعلى عكس ذلك نرى أن المنهج الرديء والأساليب المعيبة، قد تقضي إلى أخطاء جسيمة جدا، وتؤدي إلى تأخر العلم. ومن الواجب أن يعيش المرء في المعامل، ويحيا فيها، حتى يشعر- شعورا واضحا- بأهمية جميع تفاصيل أساليب البحث، التي كثيرا ما يجهلها ويزدري بها [1]، وتابع القول: إني أعتقد، أن الكشف عن أداة جديدة للملاحظة والتجربة في العلوم- التجريبية الناشئة- أكثر فائدة من عدة أبحاث مذهبية أو فلسفية [2].
والحقيقة أن الأبحاث الفلسفية ضرورية ولكن لا يمكنها ان تثمر لو لم تكن مغروسة في أرض خصبة، من الأفكار العلمية، وهذه بدورها لابد ان تعتمد على الأدوات والوسائل العلمية الدقيقة. ونحن نعرف كيف كانت الطرق التجريبية الحديثة- سواء في العلوم الطبيعية، والفيزيائية، أو في العلوم البشرية، والاجتماعية- عجلات سارت بالعلم أميالا عديدة، وقد أوصت التعاليم الإسلامية باستخدام الكتابة- التي كانت- آنئذ، وسيلة علمية شائعة، وجاءت النصوص تترى بهذا الشأن، قال أبو عبد الله عليه السلام: أكتب، وبث علمك في إخوانك، فإن مت فورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج، ما يأنسون فيه، الا بكتبهم [3].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قيدوا العلم. قيل: وما تقييده؟ قال: كتابته [4].