لذلك؛ قال أبو الحسن الأشعري، وأبو الحسين البصري من المتكلمين، وجماعة تبعوهما: إن وجود كل ماهية نفس تلك الماهية.
وقال جماعة من المتكلمين والحكماء بزيادة الوجود على الماهية في الذهن، لا في العين [1].
أما الأدلة التي ساقوها لنظريتهم هذه فهي التالية:
1- صحة السلب، أي يصح سلب الوجود عن الماهية. فيجوز مثلًا أن نقول: تفاحة غير موجودة، فهذا التعبير يدل على أن ذات التفاحة غير الوجود.
2- افتقار حمل الوجود على الماهية إلى الوسط فنقول: التفاحة موجودة، وإذا كانت ماهية التفاحة ووجودها واحد لم نستطع أن نقول ذلك، وهل يمكننا أن نقول: التفاحة تفاحة؟ مع أن حمل الشيء على الشيء وحمل ذاته له بين الثبوت له.
3- انفكاكها منه في التعقل، أي نعقل ماهية المثلث مثلًا، ونغفل عن وجودها الخارجي والذهني [2].
هل اقتنعنا أن الماهية غير الوجود؟ في المسألة بعض التفصيل، دعنا نتعمق قليلًا ونضرب بالتفاحة مثلًا: إنها مجموعة آثار تدل على شيء واقعي نستنبطه منها، نسميه بالوجود، فنقول: إننا نلمس حجم التفاحة ونحس بوزنها، ونرى لونها، ونتذوق طعمها فإنها- إذاً- موجودة.
فهل معنى الفرق بين ماهية التفاحة ووجودها هو أن نتصورها بدون الوجود فنقول: التفاحة غير موجودة أو نقول: إن التفاحة ثقيلة. نقول: هذا القانون دون التفات منا بأن تكون موجودة أو غير موجودة؟
وهنا ينبغي أن نقول: إن القوانين المترتبة على الأشياء تجري عليها بشرط الوجود، فليست التفاحة الذهنية ذات امتداد وثقل ولون، بل التفاحة الموجودة خارجاً.