باختلاف مراحل التصوف ابتداءً من حالة الزهد السلوكي الفردي، ومروراً بحالة العزلة وترك المسؤوليات الدينية، وانتهاءً بفلسفة معقدة تدعو إلى الفناء في الله، وتؤمن بوحدة الوجود، وتهدم الحدود بين الشرائع والمبادئ، أقول: باختلاف مراحل التصوف عند المسلمين، اختلفت ردة الفعل لدى قادة الإسلام وأمته وعلمائه.
ولقد سبق حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي نهى عن الرهبنة وبشدة، وذكّر المسلمين باختلاف سنته عن الرهبانية المبتدعة، وأن من سنته النكاح الذي قال عنه:
" النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني
". كان ذلك في المرحلة الأولى من التصوف، وعندما تطور التصوف إلى المرحلة التالية في صورة عزلة سياسية عند الحسن البصري وتلاميذه، رأينا كيف تصدى له خلفاء الرسول ابتداءً من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
أما في عهد الأئمة الطاهرين، الإمام الصادق (عليه السلام) ومن بعده، فقد شهد التصوف باكورة اتصاله بالفكر الأجنبي، ومن ثم حاربه الأئمة (عليهم السلام).
هذا إلى جانب إشارة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لتطورات التصوف المستقبلية وإدانته له، وفيما يلي نقتطف نصوصاً إسلامية، وذلك قبل الحديث الموجز القادم عن موقف علماء الإسلام المتأخرين عن التصوف.