أما الذي دفع ثمن مذهبه، وإن كان متأخراً، فقد كان حسين بن منصور الحلاج الذي ولد عام 858 في بلده تقع على شواطئ الخليج الشرقية اسمها: (البيضاء).
وكان من أساتذته في التصوف المكي (ت 909) والتستري (ت 986)، والشبلي (ت 945)، والجنيد، وهم أربعة من أشهر الأعلام إطلاقاً في تاريخ التصوف. والراجح أن الجنيد هو الذي أقنعه بلبس (الصوف)؛ وقد كان مرشده لمدة عشرين سنة، لكنه كان متوجساً من غلوه وغرابة أطواره، فانفصل عنه- كما قيل- لما بدا له من تعاليه وغطرسته [1].
وكان الحلاج غريب الأطوار، قيل إنه أثناء حجته الأولى لزم ردهة المسجد الحرام لمدة عام كامل، وإنه كان يجلس بعد ذلك على صخرة خارج مكة فيتصبب عرقاً، وكان الحجاج يستغربون من لجاجته وعناده أكثر مما يستهويهم زهده وتقواه، وقد قال أحدهم: إن هذا الرجل بعناده يحاول أن يتحدى الله بقدرته [2].
وكان لا يُخفي أفكاره عن الجمهور، ويقال: إنه قد أقر في إحدى عظاته في مسجد المنصور ببغداد: أن الشريعة قد قضت بقتله، (ربما لأنه كشف السر الخفي، سر حبه لله واتحاده به).
وأقام عليه الوزير علي بن الفرات سنة (909) دعوى شرعية آخر الأمر، لكنه لم يعتقل إلا بعد ذلك بأربع سنوات في بغداد حيث عين مجلس قضاء خاص لمحاكمته، وذل في وزارة علي بن عيسى، وقد اتهم بأنه عميل للقرامطة، وألقي في السجن تسع سنوات، ومع أنه حظي لفترة قصيرة من الزمن بعطف من الخليفة، وذلك بفضل رئيس الحُجاب الذي كان يعطف على قضيته، فقد ألصق به قاضي