كما سبق- الحديث- فإن التصوف نهجٌ حياتي عنوانه الهروب من واقعيات الحياة إلى كهف الأساطير والأحلام، وهو- على هذا الحال- وليد ظروف اجتماعية وسياسية معينة ظهرت في القرن الأول الهجري، انعكست عند الحسن البصري في صورة هتافه (لا قتال). وتعمقت عند تلاميذه، ولكنه سرعان ما اتصل بالثقافة الاعتزالية عند المسلمين، وهكذا تأثر التصوف بالمؤثرات الخارجية التي كانت متنوعة. ونشير إليها فيما لي، ولكن قبل ذلك نذكر ملاحظتين:
أ- أن طريقة التصوف كانت قديمة وربما تعود إلى قدم نزعات الفرار من المسؤولية عند البشر، في مقابل نزعة الإقدام والمبادرة، ولذلك فقد أثرت في الديانات السابقة وفعلت فيها ما فعلت بعدئذٍ في مصادر الإسلام من التأويل والتفسير.
ب- يبدو لي أن التصوف عند المسلمين تأثر بالاتجاه الأفلاطوني الجديد، وبالذات في مسائل وحدة الوجود في الجانب الفلسفي، بينما اقتبس من الفرس الجانب الشاعري، وقلد الهنود في الرياضيات الروحية وفكرة الفناء.
كما وإن متصوفة النصارى من الرهبان كانوا أول من تأثر بهم المتصوفة المسلمون خصوصاً في المظاهر العامة للتصوف، مثل لبس الصوف وتكريم الفقر، وبالتالي التشبه بهم في بناء أماكن معزولة سميت بالخانقاه وهي مثل الأديرة والصوامع.