هناك مسلكان يسلكهما التالون لكتاب الله العزيز في فهم وإدراك
المعاني القرآنية؛ فَمِنْ هؤلاء مَنْ إذا تلاه هبط بمعانيه السامية، ومفاهيمه
القيِّمة النيّرة إلى المستوى الذي يروق له في الفهم والإدراك، في حين أن أولئك
المتبصّرين الباحثين عن الحقيقة يحاولون حين تلاوتهم للقرآن الكريم الارتفاع
والسمو إلى مستوى بصائره وحقائقه.
ولذلك كان من الطبيعي أن يحدث بون شاسع، وهوّة عميقة بين رؤية وتفكير
ومنهجية كل من هذين الفريقين، وهنا نتساءل: أيما السبيلين أحق بالسلوك؛ أَنَهبِط
بمفاهيم القرآن وقيمه ونجرّها إلى ما يحلو لنا وما نهواه من التفسير أم نرتفع نحن
إلى مستوياتها؟
وبالطبع فإن السلوك الثاني هو الأحق بالإتّباع، لأن أتباع الفريق
الأول يسعون جهد إمكانهم لتأويل معاني القرآن ومفاهيمه حسب أهوائهم وميولهم، فهم
بعملهم هذا يضلّون عن الجادة، ويوغلون في ضلالهم وغيّهم وربما يبقون على حالتهم
هذه إلى نهاية حياتهم، في حين أن أولئك الذين لا يستجيبون لأهوائهم، ويعملون على
إماتتها من خلال مخالفتها فإنهم إنما يرتفعون بذلك إلى مستوى الفهم