وهذه الآية الكريمة لوحدها تدلُّنا على حقائق شتى، منها أن الفساد
والإفساد يأتيان بعد الصلاح والإصلاح؛ بمعنى أن الفساد شيء عرضي، وهو مرفوض في
الوقت نفسه، وأن الفساد معارض لإرادة الإصلاح الرباني في الأرض، وأن الفساد يُمكن
أن يكون باتِّساع سُنن الله في الخلق. فقد يكون الفساد سياسيًّا، حيث لا يكون
الحاكم حاكماً بأمر الله سبحانه وتعالى، بينما الله تعالى قال في محكم كتابه
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ[2].
وقد كان أول إنسان وطأت قدماه الأرض آدم (ع) وكان نبياً. ثم توالى
الناس من بعده ليقودهم.
ثم هناك الفساد المالي الذي ابتلي به القوم الذين بعث إليهم شعيب
النبي (ع) فقد كان هؤلاء منغمسين في أكل أموال الآخرين والسخرية منهم.
ومن الفساد؛ الإفساد الثقافي المتمثل- في أعرض عناوينه- في الافتراء
على الله عز اسمه، وبثّ الشبهات في الدين، والتعريض بالسوء للقيادات الرسالية،
ومنع العاملين في سبيل الله، والتبرير لظلم الظالمين وجرائمهم، ووضع الحجب أمام
عيون من يريدون النجاة من وساوس الشيطان. وهؤلاء المفسدون قد لا يكون همّهم الأكبر
جذب المتلقين إليهم، وإنما فَصْلهم عن تاريخهم وقيمهم، وتشكيكهم بدينهم الحق،
وتخريب عقيدتهم السليمة.