نام کتاب : الإمام الحسين في حلّة البرفير نویسنده : سليمان كتّاني جلد : 1 صفحه : 87
المُعاناة
والمُعاناة
: ـ يا لها مِن عِمارة يبنيها الإنسان مِن
كلِّ ضجيج يصخب به مِن نفسه وفي نفسه! إنَّها العِمارة التي يبنيها هذا الإنسان
لتعود ـ هي ـ فتبنيه بالحِجارة ذاتها التي بناها ـ هو ـ بها ، أمَّا الحِجارة فهي
التي تكون قد انرصَّت بها نفسه ، وروحه ، وذاته ، مِمَّا اختلط فيها وتجمَّع إليها
مِن غبار الأيَّام وهي تتزاحم ـ بقوافلها ـ عابرة مِن قُطبٍ إلى قُطبٍ في وجوده
الإنساني الصامد في صدر الحياة. سيكون مِن هذا الغبار تأليف المقالع المقطوعة منها
حِجارة العِمارة التي أُسمِّيها الآن ، عِمارة المعاناة.
والمُعاناة
: ـ بمعناها المجازي هذا تُفسرِّها الحقيقة
، بأنَّها الخُبرة الطويلة ، التي يتمرَّس بها الإنسان عِبر تطوُّره في مُجتمعاته
الإنسانيَّة ، ليكون له التحقيق المُتطوِّر نتيجة حتميَّة لكلِّ ما عاناه في
رحلاته المُتمادية في حِضن الكون ، إنَّ المُعاناة التاريخيَّة الطويلة هي التي
تبني هذا الإنسان المُحقِّق ذاته بذاته ، وهي التي تُكيِّف روحه ، وعقله ، وفكره ،
وكلُّ المُثل التي يجنيها لتكون عماده الصحيح المُعبِّر عنه في البحث ، والبناء ، والسعي
إلى حقيقته المُتكاملة.
والمُعاناة
: ـ بمعنى واحد هي التي تُصيب دائماً في
وجود الإنسان ، وهي التي تُحدِّد حاجته ، أو بالأحرى مجاعته إلى ما ينقصه في
مُشتهاه ، وهي التي تدلُّه إلى هذا المُشتهى ، وهي التي تُعيِّن له ـ في ما بعد ـ
هل هو المُشتهى الجميل المُحيي ، أم أنَّه المُشتهى الخاطئ المُميت؟ إلاَّ أنَّه
يبقى ـ في كلا الحالين ـ تعييناً هزَّته المُعاناة المُتولِّدة في النفس ، وحرَّكت
إليه.
أمَّا
المُعاناة الكبيرة التي تتولَّد في النفس وتبنيها
بناءً كبيراً ، فهي لا تزال مِن الصنف الفريد ، ولا يتعزَّز وجودها ويتعيَّن إلاَّ
في تفاوت نسبي يلمح في المُجتمعات
نام کتاب : الإمام الحسين في حلّة البرفير نویسنده : سليمان كتّاني جلد : 1 صفحه : 87