وسار الحسين من مكّة ومرّ بالتنعيم [٢]
، فلقى عيراً عليها وَرَس وحلل أرسلها إلى يزيد بن معاوية واليه على اليمن ، بحير
بن يسار الحميري ، فأخذها الحسين (ع) وقال لأصحاب الإبل : «مَن أحبّ منكم أنْ
ينصرف معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته ، ومَن أحبّ المفارقة أعطيناه
من الكراء على ما قطع من الأرض» ، ففارقه بعضهم ومضى مَن أحبّ صحبته [٣].
وكان الحسين (ع) يرى أنّ هذا ماله الذي
جعله الله تعالى له يتصرّف فيه كيف شاء ؛ لأنّه إمام على الاُمّة منصوب من المهيمن
سبحانه ، وقد اغتصب يزيد وأبوه حقّه وحقّ المسلمين ، فكان من الواجب عليه أنْ
يحتوي على فَيء المسلمين لينعش المحاويج منهم ، وقد أفاض على الأعراب الذين صحبوه
في الطريق ورفعوا إليه ما مسّهم من مضض الفقر ، غير أنّ محتوم القضاء لَم يمكّن
سيّد شباب أهل الجنّة من استرداد ما اغتصبه الجائرون من أموال اُمّة النّبي الأعظم
(ص) وإنْ ارتفعت بتضحيته المقدّسة عن البصائر حجب التمويه ، وعرفوا ضلال المستعدين
على الخلافة الإلهيّة.
[١] للحجة السيد
محمّد حسين الكيشوان ، طبِعت في مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري.
[٢] في معجم البلدان
٢ ص ٤١٦ : التنعيم (بالفتح ثم السكون وكسر العين المهملة وياء ساكنة وميم موضع) : بمكة
في الحل على فرسخين من مكة ؛ وسمى به لأنّ عن يمينه جبل اسمه نعيم ، وآخر عن شماله
اسمه ناعم ، والوادي نعيمان وبه مساجد. وفي العقد الثمين في فضائل البلد الأمين
لأحمد بن محمّد الخضراوي ص ٦٠ ، الفصل الثالث ، الطبعة الثانية : التنعيم يبعد عن
مكة ثلاثة أو أربعة أميال.
[٣] تاريخ الطبري ٦ ص
٢١٨ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ٢٢٠ ، والبداية ٨ ص ١٦٦ ، والارشاد للشيخ المفيد ، ومثير
الاحزان لابن نما ص ٢١. وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ ص ٣٢٧ الطبعة
الاُولى بمصر : وإنّ هذا المال الذي أخذه الحسين حمل إلى معاوية بن أبي سفيان وإنّ
الحسين كتب إلى معاوية : «أنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحللاً وعنبراً
إليك لتودعه في خزائن دمشق وتعل بها بعد النهل بني أبيك ، وإنّي احتجت إليها
فأخذتها». فكتب إليه معاوية وفيه : إنّك أخذت المال ولَم تكن جديراً به بعد أن
نسبته إليّ ؛ لأنّ الوالي أحق بالمال ، ثمّ عليه الخرج. وأيم الله لو ترك ذلك حتّى
صار إليّ لم أبخسك حظّك منه ، ولكن في رأسك نزوة ، وبودّي أن يكون ذلك في زماني
فأعرف قدرك وأتجاوز عنك ، ولكنّي والله لأتخوّف أن تبلى بمن لا ينظرك فواق ناقة.