لا يوجب طعنا في أصل الاجتهاد بالمعنى الذي ذكرناه ، كما أن بعض
الأخباريّين لو خرج في فهمه الخبر عن كافة أفهام العلماء الأعلام ، بحيث يصير ذلك
غلطا ظاهرا لجميع ذوي الأفهام ، فإنّه لا يوجب طعنا على طريقة أهل الأخبار كما وقع
للصدوق قدسسره في غير موضع من الأحكام [١].
ثم يشير إلى أن
الصدوق رحمهالله الذي يعدّ عمدة الأخباريين له آراء وافق فيها الأصوليين
، وكذلك الطوسي رحمهالله الذي هو عمدة الاصوليين له آراء وافق فيها الأخباريين ،
وليس هذا مما يصح أن يكون موردا للقدح فيهما ، وكذلك تجده في كل محطة من محطات
كتابه هذا.
والحاصل أن
المؤلّف رحمهالله كان ملازما للمنهج العلمي البحت في أخذه وردّه ونقضه
وإبرامه ، وقد مرّ بنا كيف أنه لم يقبل القدح في الاجتهاد لمجرد أن المجتهد أخطأ
في المبنى الاستدلالي ، ولا القدح في طريقة الأخباريين لمجرد أن الأخباري فهم
الحديث بشكل يراه غيره من الفقهاء خطأ مستشهدا في ذلك بالصدوق رحمهالله ، وكان لا يرى بأسا في نصرة الاصوليين إن كان مبناهم في
ذلك المقام صحيحا ، ولا في نصرة الأخباريين إن كان مبناهم فيه صحيحا.
كما أنه رحمهالله كان كثيرا ما يحاول التقريب بين الطائفتين في كل ما
يمكن أن يتصوّره أحد أنه موضع خلاف بينهما ، ففي مسألة تنويع الأحاديث إلى أصنافها
الأربعة حيث يذهب الأخباريون إلى كونها قسمين : الصحيح والضعيف ، يعالج ما يظن أنه
فرق بقوله : (والتحقيق أن غير الصحيح من الحسن والموثق إن جاز العمل به فهو صحيح
وإلّا فهو ضعيف ؛ فالاصطلاح مربّع لفظا ومثنّى معنى) [٢].
ويلاحظ ذلك
واضحا من خلال الدرّة التي وضعها للمحاكمة بين الأخبارين