فخرج عليهالسلام
من تحت ليلته ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ـ متوجّهاً نحو مكة ومعه بنوه
وبنو أخيه وإخوته وجلّ أهل بيته إلاّ محمّد بن الحنفيّة (رحمة الله عليه) فإنّه
لمّا علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدرِ أين يتوجّه ، فقال له : يا أخي أنت
أحبّ النّاس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت
أحقّ بها ، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك
إلى النّاس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعك النّاس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن
اجتمع النّاس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروّتك ولا
فضلك ، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم ، فمنهم
طائفة معك واُخرى عليك ، فيقتتلوا فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً ، فإذا خير هذه
الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.
فقال له الحسين عليهالسلام : فأين أذهب يا أخي؟
قال : انزل مكة ، فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك ، وإن (نَبَتَ بك) [١] لحقت بالرمال وشعف الجبال ، وخرجت من
بلد إلى بلد حتّى تنظر إلى ما يصير أمر النّاس إليه ؛ فإنّك أصوب ما تكون رأياً
حين تستقبل الأمر استقبالاً.
فقال الإمام عليهالسلام : «يا أخي ، قد نصحتَ
وأشفقتَ ، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً»
[٢]. فسار
الحسين عليهالسلام
إلى مكة وهو يقرأ : (فَخَرَجَ مِنْهَا
خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[٣].
[١] أي لم تجد بها
قراراً ولم تطمئن عليها. انظر لسان العرب ١٥ / ٣٠٢ مادة نبأ.