الخامسة
: يحتمل أن يكون
المراد بالجنّة هي جنّة وصال الحقّ ، فإنّ ذلك هو جزاء الأبرار.
كيف وهم أجلّ
من أن يكون جزاؤهم الالتذاذ بما تشتهي أنفسهم.
كيف وهم لقد
تياسروا عن ذلك الاشتهاء ، وتيامنوا عن ذلك المقام ، فإنّهم لقد عرفوا أنّ نفوسهم
وما تقتضيه حاجبة عن الفوز بالحقّ ، فكيف يجزون بالاحتجابات المانعة! كلّا إنّ
هؤلاء لغامضون عن جميع اللذّات في جميع الجهات ، وذاهلون عن كلّ ما في الإمكان في
مقام ذكر الملك المنّان ، فجزاؤهم على حالاتهم وأخلاقهم وأطوارهم هو الالتذاذ بقرب
الله ؛ إذ لا لذّة ألذّ من ذلك المقام وهو الجنّة العالية الّتي يفوز بها الواصلون
؛ كما قال : إنّ لله جنّة ليس فيها حور ولا قصور بل يتجلّى فيها ضاحكا مستبشرا.
وقال الله :
وإذا عشقني عشقته ، وإذا عشقته قتلته ، وإذا قتلته فعليّ ديته ، فإذا كان عليّ
ديته فأنا ديته.
وقال : الصوم
لي وأنا أجزي به. أي أنا جزاء من حصر توجّهه إلى حضرتي ، وقطع عن سواي إلى خدمتي.
وقال : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أي بمقام المحبّة الصافية (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) أي توجّهي إلى حضرته (راضِيَةً) من ربّك (مَرْضِيَّةً) بطاعاتك (فَادْخُلِي فِي
عِبادِي) الأبرار المنقطعين عن كلّ شيء الفائزين بحقيقة