قال ابن أبي
دباكل: فو اللّه ما تمّم صاحبه منها ثلاثا [6] حتى غشي على صاحبه، و أقبل يصلح
السّرج على بغلته و هو غير معرّج عليه. فسألته من هو؟ فقال: رجل من جذام. قلت: بمن
تعرف؟ قال: بعبد اللّه بن المنتشر.
قال: و لم يزل
القرشيّ على حاله ساعة ثم أفاق، ثم جعل الجذاميّ ينضح الماء على وجهه و يقول
كالمعاتب له:
أنت أبدا مصبوب
[7] على نفسك! و من كلّفك ما ترى! ثم قرّب إليه الفرس، فلمّا علاه استخرج الجذاميّ
من خرج على بغل قدحا و إداوة ماء، فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج و صبّ
عليه ماء من الإداوة، ثم قال: هاك فاشرب هذه السّلوة [8] فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك،
و ركب على البغل و أردفني. فخرجا و اللّه ما يعرّضان بذكر شيء مما كنا فيه، و لا
أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل/ ذلك. فلمّا اشتمل علينا أبطح مكة قالا: انزل
يا خزاعيّ فنزلت. و أومأ الفتى إلى الجذاميّ بكلام، فمدّ يده إليّ و فيها شيء
فأخذته، فإذا هو عشرون دينارا، و مضيا. فانصرفت إلى قبره/ ببعيرين، فاحتملت عليهما
أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتها [9] بثلاثين دينارا.
[1]
كذا في أكثر النسخ، و هو جمع سرب و هو الماء السائل. و في ب، س، ح: «أترابي» و
لعله تحريف.
[2] في س:
«تتايعوا» بالياء المثناة. و التتايع: الوقوع في الشر من غير فكر و لا روية و
المتابعة عليه و التهافت فيه، و لا يكون في الخير.
[5] قال الزبير: بيت أبي موسى الأشعري و صفي
السباب: ما بين دار سعيد الحرشيّ التي تناوح بيوت أبي القاسم بن عبد الواحد التي
في أصلها المسجد الذي صلّي عنده على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، و كان به نخل
و حائط لمعاوية فذهب، و يعرف بحائط خرمان. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
[7] كذا في
ت، ح، ر، أي محثوث على اتباعها تستغويك فتسلس لها القياد. و في سائر النسخ:
«منصوب» و لعله تحريف.
[8] قال ابن
سيده: و السّلوة و السّلوانة: خرزة شفافة إذا دفنتها في الرمل ثم بحثت عنها رأيتها
سوداء يسقاها الإنسان فتسليه، و قيل: أن يؤخذ من تراب قبر ميت فيذرّ على الماء و
يسقاه العاشق ليسلو؛ قال عروة بن حزام:
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه
و عرّاف نجد إن هما شفياني
فقالا نعم نشفي من الداء كله
و قاما مع العوّاد يبتدران
فما تركا من رقية يعرفانها
و لا سلوة إلا و قد سقياني
[9] في الأصول: «فبعتهما». و مرجع الضمير
«أداة الراحلتين».