و قال ابن قتيبة: «فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة
اذا كان المسمى بها بسبب من الآخر أو مجاورا لها أو مشاكلا»[2] و هذا تعريف ينطبق على المجاز كله
و لا سيما المرسل الذي من علاقاته السبية و المجاورة، و يؤكد هذا المعنى الأمثلة
التي ذكرها كقول الشاعر:
إذا
سقط السماء بأرض قوم
رعيناه
و إن كانوا غضابا
و قولهم للنبات «نوء» و للمطر «سماء».
و ذكرها المبرد و قال إنّ «العرب تستعير من بعض لبعض»[3].
و قال ثعلب: «هو أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه»[4].
و قال ابن المعتز إنّها «استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء
عرف بها»[5].
و لم يبحثها قدامة في «نقد الشعر» و انما أشار اليها اشارات عابرة في أثناء كلامه على المعاضلة
و قبح الاستعارة[6].
و ذكرها في «جواهر الألفاظ» و ذكر لها أمثلة من غير أن يعرفها[7].
و تحدث عنها معاصره ابن وهب في فصل
مستقل و قال: «و ربما استعملوا بعض ذلك في موضع بعض
على التوسع و المجاز»[8].
و بدأ تعريف الاستعارة بعد هؤلاء
يأخذ طابعا واضحا يختلف عما سبق، و قد عرّفها القاضي الجرجاني بقوله: «الاستعارة ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن
الاصل و نقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها. و ملاكها تقريب الشبه و مناسبة
المستعار له للمستعار منه و امتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة و لا
يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر»[9]. و هذا التعريف يختلف عن التعريفات
السابقة فهو أكثر وضوحا و أعمق دلالة، و هو يوضح العلافة بين المستعار له و
المستعار منه و هي المشابهة، و ملاكها تقريب الشبه و ائتلاف ألفاظ صورتها مع
معانيها حتى لا توجد منافرة بينهما.
و قال الرماني: «الاستعارة تعليق العبارة على ما وضعت له في
أصل اللغة على جهة النقل للابانة»[10]. و نقل ابن سنان هذا التعريف[11].
و قال العسكري إنّها «نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل
اللغة الى غيره لغرض»[12]، و في هذا التعريف إضافة الى ما سبق
و هي قوله: «لغرض» أي أنّه اشترط في الاستعارة أن
يكون وراءها هدف و إلا فاستعمال اللفظ بمعناه الأصلي أولى. و قال ابن فارس:
«هي أن يضعوا الكلمة للشيء مستعارة من موضع آخر»[13]. و نقل ابن رشيق تعريفات القاضي
الجرجاني و ابن وكيع و ابن جني و الرماني[14]، و لما جاء عبد القاهر نظر الى
الاستعارة نظرة دقيقة فيها تحديد و عمق، قال: «الاستعارة أن تريد تشبيه الشيء و تظهره و تجيء الى اسم المشبه به فتعيره
المشبه و تجريه عليه»[15]. و هذا التعريف يؤكد أنها مجاز لغوي و أنها «ضرب من التشبيه و نمط من التمثيل»