و ليس هذا من فنون البديع بل هو من
الدراسات اللغوية، و لذلك بحثه ابن فارس في كتابه «الصاحبي» و
تحدث عنه اللغويون في مباحثهم، و لكن الباحثين في علوم القرآن كالزركشي و السيوطي
عدوه من البديع و بحثوه مع التفويف و تأكيد المدح بما يشبه الذم و التقسيم و
التدبيج.
إبراز الكلام في صورة المستحيل:
قد يبرز الكلام في صورة المستحيل و
ذلك على طريق المبالغة ليدل على بقية جمله، كقوله تعالى:
وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ[3] و غالى بعض الشعراء في وصف النحول
فقال:
و
لو أنّ ما بي من جوى و صبابة
على
جمل لم يبق في النار خالد
و هذا الفن من صور المبالغة
المتناهية، و لكنّ الزركشي تحدث عنه في فنون البديع[4].
الإبهام:
الابهام بالباء الموحدة و هو
الكلام الموهم لأنّ له أكثر من وجه، و ابهام الامر أن يشتبه فلا يعرف وجهه و قد
أبهمه، و استبهم عليهم الأمر: لم يدروا كيف يأتون له، و استبهم عليه الأمر أي:
استغلق[5].
و الابهام عند البلاغيين «إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين»[6]، و سماه السكاكي التوجيه، و سماه السيوطي كذلك. و لعله يريد السكاكي
حينما قال عن التوجيه: «و عرّفه قوم بان يحتمل الكلام وجهين متباينين من المعنى احتمالا مطلقا
من غير تقييد بمدح أو ذم أو غيره». و ذكر تعريفا آخر ينطبق على الابهام فقال: «و قوم بأن يحتمل معنيين أحدهما مدح و
الآخر ذم، و هذا رأي لا نرضاه. و الذي عليه حذّاق الصنعة و أصحاب البديعيات و
أولهم الصفي الحلي أنّ هذا التفسير للنوع المسمى بالابهام- بالباء الموحدة- كما
اخترعه ابن أبي الاصبع و سماه و عرّفه بذلك»[7]. و قد فرّق المصري بين الابهام و
الاشتراك فقال: «الاشتراك لا يقع إلّا في لفظة مفردة لها
مفهومان لا يعلم أيهما أراد المتكلم، و الابهام لا يكون إلّا في الجمل المؤتلفة
المفيدة و يختص بالفنون كالمدح و الهجاء و العتاب و الاعتذار و الفخر و الرثاء و
النسب و غير ذلك، و لا كذلك الاشتراك»[8]، أي: أنّ الابهام عنده «أن يقول المتكلم كلاما يحتمل معنيين
متضادين لا يتميز أحدهما على الآخر و لا يأتي في كلامه بما يحصل به التمييز فيما
بعد ذلك بل يقصد ابهام الأمر فيهما قصدا»[9].