و وحدة هى ملازمة للعدد و المعدود، كما نقول فى كل جملة أنها
واحدة. فان العشرة من حيث أنها عشرة جملة واحدة. و كما نقول انسان واحد و فرس
واحد، و هذه الوحدة أيضا لا تليق بجلال الله تعالى، فليس هو جملة حتى تتحقق له
وحدة الجملة.
و كذلك وحدة النوع و وحدة الجنس و وحدة العين المشار اليها حسا و
عقلا، بل الوحدة تطلق عليه تعالى و على الموجودات بالاشتراك المحض، و هو واحد لا
كالآحاد المذكورة، واحد يصدر عنه الوحدة و الكثرة و المتقابلان، واحد بمعنى أنه
يوجد الآحاد فينفرد بالوحدانية ثم أفاضها على خلقه.
و الواحدية و الموجودية له من غير ضد يضاده أو ند يماثله. «فلاتجعلوا الله
أندادا و أنتم تعلمون».
و أما ابداعه للكائنات متكثرة، أو ابداعه العقل الواحد اذ هو واحد،
فقد ورد الالزام على المذهبين جميعا. فان وجود الكثرة عنه و صدورها منه توجب تكثر
وجوه/ 122 و اعتبارات فى ذاته تعالى. و وجود الواحد عن الواحد يقتضى مناسبة بين
الموجب و الموجب أو يقتضى اتحاد الموجب من كل جهة و وجه، و كلا الوجهين باطل.
بل كلا الوجهين صحيح، فان عموم الاضافة و خصوصها مذكور في التنزيل
و معقول عند أهل العقل قال الله تعالى، ان كل من فى السماوات و الأرض الا آتى
الرحمن عبدا». و هذا لعموم الاضافة اليه.
قال عز و جل «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا». و هذا لخصوص الاضافة
اليه.
و قد يتخصص العام درجة فدرجة الى أن ينتهى الى واحد يكون عبدا/
123. كما يعم الخاص درجة فدرجة الى أن ينتهى إلى الكل.
فعباد الله العليون الملائكة المقربون، و حكم الروح الذي يقوم صفا
و الملائكة صفا، حكم لكل مع الأجزاء أو العقل الأول الفعال مع الفارقات المدبرات
أمرا.
و كما أن العموم و الخصوص معقولان/ 124 و مسموعان فى العبودية،
كذلك يجرى حكمهما فى الابداع و الخلق و اضافة الربوبية الى العباد بقوله تعالى «ربالعالمين»، «ربموسى و هارون».
ثم اعلم أن ما ورد فى الكتب الالهية من عموم النسبة و خصوصها، فهو
أحق أن يتبع من قول الفلاسفة أن الواحد لا يصدر عنه الا واحد، و سائر الموجودات
تضاف إليه بتوسط ذلك الواحد على طريق اللزوم و التبعية، فان نسبة ذلك الواحد عنه
لازم ذاته. فما الفرق بين القسمين؟/ 125.