وهب أن معناه أمر سلبى، فليس سلبا مطلقا، بل سلب شىء من شأنه أن
يتحقق، و هو يصلح للتمييز، و به يحصل التكثر.
ودع ما قيل إن السلوب و الإضافات لا توجب تكثيرا فى الذات، فإنهم
أخذوا القضية مسلمة، و ليس الأمر كذلك على ما سيأتى تفصيله.
و أما قوله: إن التمييز بين الوجود و الوجوب/ 15 ب بالعموم و الخصوص،
أمر اعتبارى فى الذهن لا فى الوجود، فتسليم ظاهر الإلزام فإن التمايز بين معنى
الجنسية و معنى الفصلية، لا يكون إلا فى الذهن.
فليس فى الوجود حيوان هو جنس، و ناطق هو فصل، بل هما اعتباران فى
الذهن لا فى الخارج.
و كيف يحصل أمر كلى فى الوجود، و لا كلى إلا فى الذهن[1]؟! و أنت تعرف أن اللونية و البياضية اعتباران عقليان فى الذهن لا فى
الخارج
[1]يرى الشهرستانى أن الوجود الكلى لا
يتم الا فى الذهن، اما الواقع فهو للوجود الجزئى. و لا يمكن أن يتحقق موجود كلى فى
الأعيان. فالإنسانية معنى كليا، و هو عبارة عن تجريدات ذهنية لكائنات جزئية متحققة
فى الواقع المادى العينى. هذه الموجودات هى- مثلا- زيد و عمرو و زينب و خديجة، فلا
وجود لزيد فى الأذهان، و انما وجوده فى الأعيان، و لا وجود لمعنى الإنسانية كمعنى
كلي، الا فى الأذهان.
(انظر نهاية الاقدام فى علم الكلام للشهرستانى ص 144 و ما بعدها، و
انظر أيضا كلام تاج الدين فى الحال فى نفس الكتاب ص 131- 133).
و قد شغلت فكرة الكلى و الجزئى أذهان المفكرين و الفلاسفة منذ
القدم، و كانت موضع بحث من أفلاطون و أرسطو- و هما من أقطاب الفلسفة اليونانية-
كما كانت موضع بحث من فلاسفة المسلمين و متكلميهم، و موضع بحث من المحدثين و
المعاصرين كذلك.