واستدلّوا [١] على ذلك بأنّ العلم الحادث أمر ممكن ، والله تعالى قادر على كلّ الممكنات وفاعل لها ـ على ما يأتي في خلق الأعمال ـ فيكون العلم من فعله.
والمعتزلة [٢] لمّا أبطلوا القول باستناد الأفعال الحيوانيّة إلى الله تعالى ، بطل عندهم هذا الاستدلال. ولمّا رأوا العلم يحصل عقيب النظر بحسبه وينتفي عند انتفائه ، حكموا بأنّه سبب له كما في سائر الأسباب.
والحقّ أنّ النظر الصحيح يجب عنده حصول العلم ، ولا يمكن تخلّفه ؛ فإنّا نعلم قطعا أنّه متى حصل لنا اعتقاد المتقدّمتين فإنّه يجب حصول النتيجة.
وقالت الأشاعرة [٣] : التذكّر لا يولّد العلم وكذا النظر إلى القياس [٤].
والجواب : أنّ الفرق بينهما ظاهر.
قال : ( ولا حاجة إلى المعلّم ).
أقول : ذهب الملاحدة [٥] إلى أنّ النظر غير كاف في حصول المعارف [٦] ، بل لا بدّ من معونة المعلّم للعقل ؛ لتعذّر العلم بأظهر الأشياء وأقربها ـ يعني معرفة الله ـ من دون مرشد.
وأطبق العقلاء [٧] على خلافه ؛ لأنّا متى حصلت المقدّمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة ، سواء كان هناك معلّم أو لا.
[١] « المحصّل » : ١٣٦ ـ ١٣٧ ؛ « شرح المواقف » ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٣٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » ٢٦١ ـ ٢٦٢. [٢] انظر : « المغني » ٨ : ٣ وما بعدها و ١٧٧ وما بعدها. [٣] « شرح المواقف » ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٥ ، ونسب إلى بعض الأشاعرة في « شرح المقاصد » ١ : ٢٣٧ و « شرح تجريد العقائد » : ٢٦١. [٤] في « كشف المراد » : « بالقياس عليه » بدل « إلى القياس ». [٥] منهم الإسماعيلية. من حاشية نسخة الأصل. [٦] « المحصّل » : ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ « شرح المواقف » ١ : ٢٣٨ ؛ « شرح المقاصد » : ١ : ٢٥٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٦٢. [٧] انظر المصادر المتقدّمة.