شيء من كمالاتها الممكنة بالقوّة فإنّها تدور في الأبدان الإنسانيّة وتنقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها وأخلاقها ، وحينئذ تبقى مجرّدة ومطهّرة عن التعلّق بالأبدان ، ويسمّى هذا الانتقال نسخا.
وقيل : ربّما نزلت من بدن الإنسان إلى بدن حيوان يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان ، ويسمّى مسخا.
وقيل : ربّما تنزّلت إلى الأجسام النباتيّة ، ويسمّى رسخا.
وقيل : إلى الجمادية ، كالمعادن والبسائط ، ويسمّى فسخا ، أو بالعكس في التسمية بالنسبة إلى الأخيرين.
وقد يقال : هي تتعلّق ببعض الأجرام السماويّة للاستكمال.
وبالجملة اختلف الناس هنا ، فذهب جماعة من العقلاء إلى جواز التناسخ في النفوس بأن تنتقل النفس التي كانت مبدأ صورة لزيد ـ مثلا ـ إلى بدن عمرو ، وتصير مبدأ صورة له ، ويكون بينهما من العلاقة كما كان بين البدن الأوّل وبينها.
وذهب أكثر العقلاء إلى بطلان هذا المذهب ، كما هو من قطعيّات المذهب. واختاره المصنّف أيضا ، واستدلّ عليه بأنّا قد بيّنّا أنّ النفوس حادثة ، وعلّة حدوثها قديمة ، فلا بدّ من حدوث استعداد وقت حدوثها ؛ ليتخصّص ذلك الوقت بالإيجاد فيه ، والاستعداد إنّما هو باعتبار القابل ، فإذا حدث وتمّ وجب حدوث النفس المتعلّقة به ، فإذا حدث بدن تعلّقت به نفس تحدث عن مبادئها ، فإذا انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع نفسين لبدن واحد ، وقد بيّنّا بطلانه ووجوب التعادل في الأبدان والنفوس حتّى لا توجد نفسان لبدن واحد وبالعكس.
المسألة الحادية عشرة : في كيفيّة تعقّل النفس وإدراكها.
قال : ( وتعقل بذاتها وتدرك بالآلات للامتياز بين المختلفين وضعا من غير استناد ).