والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي جوهر مجرّد أم لا بكونها جسما مجاورا للبدن كالروح البخاري؟
والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين من الإماميّة كالمفيد [١] منهم والغزالي [٢] من الأشاعرة ـ على ما حكي ـ أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسمانيّ ، وهو الذي اختاره المصنّف ، واستدلّ على تجرّدها بوجوه :
الأوّل : تجرّد عارضها وهو العلم.
وتقرير هذا الوجه : أنّ هاهنا معلومات مجرّدة عن الموادّ كالواجب والكلّيّات ، فالعلم المتعلّق بها يكون لا محالة مطابقا لها ؛ فيكون مجرّدا لتجرّدها ، فمحلّه ـ وهو النفس ـ يجب أن يكون مجرّدا ، لاستحالة حلول المجرّد في المادّي.
أو يقال : إنّ الصورة المنطبعة في العقل مجرّدة ؛ لأنّها لا تقبل الإشارة الحسّيّة بالضرورة ، وهي خالية عن لواحق المادّة من الكمّ والكيف ونحوهما ، كما عن « الشفاء » [٣] حتّى لا يتوجّه منع مساواة الصورة مع المعلوم في الماهيّة كما قيل ، فتكون النفس الناطقة التي هي محلّها مجرّدة ، وإلاّ يلزم كون الصورة العقليّة الحالّة فيها غير مجرّدة ؛ لأنّ اختصاص المحلّ بالمقدار المعيّن والأين المعيّن والوضع المعيّن يوجب اختصاص الحالّ به.
واعترض عليه بجواز كون العلم بانكشاف الأشياء على النفس من دون ارتسام ، وعدم مساواة الصورة للمعلوم في تمام الماهيّة ، ومنع اقتضاء اتّصاف المحلّ بصفة اتّصاف الحالّ بها ، كما أنّ الجسم يتّصف بالبياض دون الحركة الحالّة فيه ، مع أنّ المادّيّة العرضيّة لا تنافي التجرّد الذاتي ، فتدبّر. [٤]
[١] نقل عنه ذلك في كلّ من « المطالب العالية » ٧ : ٣٨ ؛ « كشف المراد » : ١٨٤. [٢] نقل ذلك عنه أيضا في « المطالب العالية » ٧ : ٣٨ ؛ « كشف المراد » : ١٨٤ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ١٠٤. [٣] « الشفاء » كتاب النفس ٢ : ٢١٢. [٤] إشارة إلى أنّ ذلك غير مندفع بالقول بالوجود الذهني ، بناء على عدم كونه بارتسام الصور. ( منه ; ).