وتقريره : أنّ الحكماء حكموا باحتياج كلّ جسم إلى مكان [١] ، ولو كان المكان عبارة عن السطح الحاوي لزم إمّا عدم تناهي الأجسام حتى يكون كلّ جسم في مكان ، أو وجود جسم ليس له مكان بأن يكون محيطا بجميع الأجسام ؛ إذ لا يحويه جسم ليكون سطحه الباطن مكانا له ، فلا يعمّ المكان الأجسام مع أنّا نقطع بأنّ كل جسم له مكان ـ وقد تقدّم بطلان عدم تناهي الأجسام ـ والقسمان باطلان فالمقدّم مثله ، فتأمّل.
قال : ( وهذا المكان لا يصحّ عليه الخلوّ من شاغل ، وإلاّ لساوت حركة ذي المعاوق حركة عديمه عند فرض معاوق أقلّ بنسبة زمانيهما ).
أقول : اختلف الناس في هذا المكان ، فذهب قوم إلى جواز الخلاء ، وهم بعض القائلين بالبعد المجرّد أو الموهوم ، المسمّون بأصحاب الخلاء [٣] ، حيث جوّزوا أن يخلو المكان عمّا يشغله.
وذهب آخرون ـ وهم القائلون بالسطح مع بعض القائلين بالبعد على ما حكي ـ إلى امتناعه [٤] ، وهو اختيار المصنّف ;.
[١] « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٣٠٨ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٦٦. [٢] الخلاء ـ عند المتكلّمين ـ امتداد موهوم مفروض في الجسم ، أو في نفسه صالح لأن يشغله الجسم وينطبق عليه بعده الموهوم ، ويسمّى أيضا بالمكان والبعد الموهوم والفراغ الموهوم. وقد جوّزه المتكلّمون ومنعه الحكماء القائلون بأنّ المكان هو السطح ، وأمّا القائلون بأنّه البعد المجرّد الموجود فهم أيضا يمنعون الخلاء بمعنى البعد المفروض فيما بين الأجسام. انظر « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » ١ : ٧٥٦. [٣] « شرح تجريد العقائد » : ١٦٠ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٣١٠ ، ولمزيد المعرفة راجع « الشفاء » الطبيعيات ١ : ١١٤ ـ ١٣٦. [٤] حكاه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ١٦٠ ، ولمزيد المعرفة راجع « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١١٦ ـ ١٣٦ و « شوارق الإلهام » ٢ : ٣١٠.