الحالين بذاته ، فهو من حيث جوهره وذاته يسمّى جسما ، ومن حيث قبوله للصّور النوعيّة التي لأنواع الأجسام يسمّى هيولى.
واختار المصنّف هذا المذهب. وقد ذهب إلى ذلك المذهب جماعة من المتكلّمين [١] وأبو البركات البغدادي [٢] كما حكي.
وقال أبو عليّ ـ على ما حكي ـ : « إنّ الجسم مركّب من الهيولى والصورة » [٣].
واحتجّ عليه بأنّ الجسم متّصل في نفسه ، وقابل للانفصال ، ويستحيل أن يكون القابل هو الاتّصال نفسه ؛ لأنّ الشيء لا يقبل عدمه ، فلا بدّ للاتّصال من محلّ يقبل الانفصال والاتّصال ، وذلك هو الهيولى ، والاتّصال هو الصورة [٤]. فاستدرك المصنّف ; ذلك وقال : « إنّ ذلك ـ أي قبول الانقسام ـ لا يقتضي ثبوت مادّة » كما قرّرناه في كلام أبي عليّ ؛ لأنّ الجسم المتّصل له مادّة واحدة إذا قسمناه استحال أن تبقى تلك المادّة على وحدتها اتّفاقا ، بل يحصل لكلّ جزء مادّة.
فإن كانت مادّة كلّ جزء حادثة بعد القسمة لزم التسلسل ؛ لأنّ كلّ حادث عندهم لا بدّ له من مادّة ، وتكون تلك المادّة أيضا حادثة على هذا التقدير ، فيحتاج إلى مادّة ثالثة ، وهكذا ، فيلزم التسلسل.
وإن كانت موجودة قبل القسمة لزم وجود موادّ لا نهاية لها بحسب ما في الجسم من قبول الانقسامات التي لا تتناهى ؛ لاستحالة أن تكون مادّة هذا نفس مادّة ذاك بعينها ؛ حذرا عن كون الواحد بالشخص في آن واحد في مكان متعدّد.
وفيه : أنّ المادّة واحدة عند وحدة الاتّصال ، ومتعدّدة عند تعدّده ، كالجسم المطلق عندهم ، فلا يلزم وجود موادّ متعدّدة بالفعل ، بل المادّة شيء يعرضه الوحدة والتعدّد ؛
[١] منهم الفخر الرازي في « المحصّل » : ٢٧٤ ؛ و « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٦ ـ ٥٣ ؛ والعلاّمة الحلّي في « إيضاح المقاصد » : ١٢٧ ؛ ونهاية المرام في علم الكلام » ٢ : ٥٠٧ ـ ٥٢٧. [٢] « المعتبر في الحكمة » ٢ : ١٠ ـ ١٥. [٣] « الشفاء » الإلهيّات : ٧١. [٤] « الشفاء » الإلهيّات : ٦٦ ـ ٦٧ ؛ « النجاة » : ٢٠١ ـ ٢٠٢.