عدم المعلول في العقل يجوز أن يعلّل هذا العدم بذلك العدم.
المسألة السابعة والثلاثون : في أنّ الممكن الباقي محتاج إلى المؤثّر.
قال : ( والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثّر لوجود علّته ).
أقول : اختلفوا في أنّ الممكن الباقي هل يفتقر إلى المؤثّر حال بقائه أم لا؟
فذهب جماعة ـ [ حيث ] قالوا : إنّ علّة الافتقار إلى المؤثّر هو الحدوث وحده أو مع الإمكان ، أو الإمكان بشرط الحدوث ـ إلى أنّ الممكن حال بقائه مستغن عن المؤثّر ؛ إذ لا حدوث حال البقاء كما في بقاء البناء بعد فناء البنّاء ؛ ولهذا قالوا : لو جاز على الصانع العدم لما ضرّ العالم [١].
وقال بعضهم : إنّ الجواهر محتاجة إلى الصانع من جهة الأعراض المتجدّدة أو الأكوان المتجدّدة المحتاجة إلى الصانع [٢].
وذهب جمهور الحكماء والمتأخّرين من المتكلّمين إلى أنّ الممكن الباقي محتاج إلى المؤثّر [٣].
وبالجملة : كلّ من قال بأنّ الإمكان علّة تامّة في احتياج الأثر إلى المؤثّر حكم بأنّ الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثّر.
والدليل عليه : أنّ علّة الحاجة إنّما هي الإمكان ، وهو لازم للماهيّة ضروريّ اللزوم ، فهي أبدا محتاجة إلى المؤثّر ؛ لأنّ وجود العلّة يستلزم وجود المعلول ، فهي محتاجة إلى المؤثّر في الوجود بعد الوجود ، كما أنّها محتاجة إليه في أصل الوجود.
وأمّا البنّاء فهو علّة معدّة لفيضان صورة البناء من واهب الصور ، وانعدام العلّة المعدّة لا يوجب انعدام المعلول ، كما في الأقدام.
[١] راجع « الشفاء » الإلهيّات ، الفصل ١ و ٢ من المقالة السادسة ؛ « التحصيل » : ٥٢٤ وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٦٧ وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٦٩ ـ ٧٠. [٢] راجع « الشفاء » الإلهيّات ، الفصل ١ و ٢ من المقالة السادسة ؛ « التحصيل » : ٥٢٤ وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٦٧ وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٦٩ ـ ٧٠. [٣] « تلخيص المحصّل » : ١٢١.