الثاني : أنّ الحدوث كيفيّة للوجود ؛ لكونه عبارة عن مسبوقيّة الوجود بالعدم ، فتأخّر عنه تأخّرا ذاتيّا ، والوجود متأخّر عن الإيجاد ، والإيجاد متأخّر عن الاحتياج ، والاحتياج متأخّر عن علّة الاحتياج ، فلو كان الحدوث علّة الحاجة لزم تقديم الشيء على نفسه وعلى ما يتقدّم عليه بمراتب ، وهو محال.
والمعارضة بأنّ الإمكان صفة للممكن بالقياس إلى الوجود ، فيكون متأخّرا عن الوجود ، فلا يكون علّة للافتقار المتقدّم عليه بمراتب مردودة : بأنّ الإمكان متأخّر عن الماهيّة نفسها وعن مفهوم الوجود أيضا ؛ لكونه كيفيّة للنسبة بينهما ، لكنّه ليس متأخّرا عن كون الماهيّة موجودة ، ولهذا توصف الماهيّة ووجودها بالإمكان قبل اتّصافها بالوجود ، وأمّا الحدوث فلا توصف به الماهيّة ولا وجودها إلاّ حال كونها موجودة ، ولا شكّ في تأخّره عن الإيجاد ؛ ولهذا صحّ أن يقال : أوجد فحدث ، وبذلك يتمّ المطلوب ، سواء قلنا بتأخّره عن الوجود أيضا ، أم لا.
قال : ( والحكم باحتياج الممكن ضروريّ ).
أقول : اختلف الناس هنا.
فقال قوم : إنّ هذا الحكم ضروريّ ، أعني أنّ احتياج الممكن لا يحتاج إلى برهان ؛ فإنّ كلّ من تصوّر تساوي طرفي الممكن جزم بالضرورة أنّ أحدهما لا يترجّح من حيث هو مساو ـ أعني من حيث ذاته ـ بل من حيث إنّ المرجّح ثابت.