إذا قلنا: بأنّ الوجود زائد على الماهيّة. أمّا
إذا قلنا: إنّه نفس الماهيّة، فالدليل تامّ.
احتجّ المجوّزون بأنّه لو امتنع لكان إمّا لذاته
فلا يوجد أصلا لا أوّلا و لا ثانيا، و إن كان بغيره جاز زوال ذلك الغير فيجوز
وجوده حينئذ، نظرا إلى ذاته.
و اجيب بأنّه ممتنع، لأمر لازم للماهيّة، و هو
كون الوجود بعد العدم. و لا شكّ في لزومه، فامتناعه لأجل هذا اللازم لا يقتضي
امتناعه مطلقا.
الثانية: المصنّف لمّا كان
مذهبه أنّ المعدوم يستحيل إعادته بعينه، و كذا أبو الحسين البصريّ، لزمهما أن
يقولا: بأنّ أجزاء أبدان المكلّفين و أرواحهم لا يجوز عدمها لأنّه لو عدمت لوجد
مثلها، فكان الثواب و العقاب يصلان إلى غير المستحقّ. فلذلك فسّر المصنّف العدم
بتفرّق الأجزاء و تبدّل التأليف و المزاج، كما في قصّة إبراهيم عليه السّلام لمّا
سأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى؟ أمره بأخذ أربعة أطيار و تفريق أجزائها[1]، و القصّة
مشهورة. ففيها إشارة إلى أنّ الإعادة بتأليف الأجزاء بعد تفرّقها.
[الفناء و العدم كناية عن تفرّق الأجزاء]
قوله: «و الفناء المشار إليه
كناية عنه» جواب سؤال مقدّر، تقريره أنّ حمل الأعدام على التفريق مخالف لظاهر قوله
تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ[2]. و كُلُّ
شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[3] فإنّ التفريق لا يسمّى فناء و لا
هلاكا.
أجاب بالحمل على التفريق جمعا بين الدليل الدالّ
على عدم إعادة المعدوم، و وجوب إيصال الحقّ إلى مستحقّه، و بين صحّة النقل، و لا
استبعاد في ذلك، فإنّه قد يقال لغير المنتفع به: إنّه معدوم و فان و هالك.
[إبطال قول الفلاسفة بأنّ حشر الأجساد محال]
قال: شبهة- قالت الفلاسفة: حشر الأجساد محال
لأنّ كلّ جسد اعتدل مزاجه و استعدّ استحقّ فيضان النّفس عليه من العقل الفعّال.
فلو اتّصف أجزاء بدن الميّت بالمزاج لاستحقّ نفسا من العقل، و اعيد إليه نفسه
الأولى على قولكم، فيلزم اجتماع نفسين على بدن واحد و هو محال. و نحن لمّا أثبتنا
الفاعل المختار، و أبطلنا قواعدهم