الواحد اثنين[1]. و لمّا كان
حشر الأجساد حقّا، وجب أن لا يعدم أجزاء أبدان المكلّفين و أرواحهم، بل يتبدّل
التأليف و المزاج. و الفناء المشار إليه كناية عنه.
أقول: في هذه الهداية مسألتان:
الأولى: اختلف في أنّ الشيء
إذا عدم عدما محضا و صار نفيا صرفا هل يمكن إعادته بعينه و شخصه، أو لا بل يوجد
مثله؟
قالت الأشاعرة و المثبتون من المعتزلة بالأوّل.
و قال الحكماء و أبو الحسين البصريّ و المصنّف بالثاني. فبعض الناس ادّعى الضرورة
على استحالة إعادته، و المصنّف استدلّ بأنّه لو أمكن لزم تخلّل العدم بين الشيء و
نفسه، و اللازم كالملزوم في البطلان[2].
بيان الملازمة: أنّ الموجود في الزمن الأوّل لو
عدم في الزمن الثاني ثمّ اعيد في الزمن الثالث، فإن كان الوجود الثاني هو بعينه
الوجود الأوّل تخلّل العدم في الثاني بين الوجود و نفسه، و إن كان غيره لم يكن
المعاد عين المبتدأ بل مثله. قيل: فيه نظر لجواز أن يكون الوجود الثاني هو عين
الأوّل بالماهيّة. و الظاهر أنّ مرادهم بإعادته هو وجوده ثانيا بوجود مساو للأوّل،
و قد حصل.
و الحقّ أن يقال: إن اريد بإعادة المعدوم إعادته
مع جميع لوازمه و عوارضه المشخّصة و غيرها تمّ الدليل. و إن اريد إعادته لا بعينه
الشخصيّة لم يتمّ لما قلنا. هذا كلّه
[2]قال الأشعريّ: اختلف القائلون بأنّ
الأجسام تعاد في الآخرة: هل الذي ابتدأ في الدنيا هو الذي يعاد في الآخرة أم لا؟
فقال قائلون و هم أكثر المسلمين: إنّ المبتدأ في الدنيا هو المعاد في الآخرة.
مقالات الإسلاميّين 2: 58.
و قال المحقّق الطوسيّ: إعادة المعدوم جائزة
عند مثبتي المعتزلة لأنّ الذات باقية عند تعقّب الوجود و العدم عليها.
و كذلك عند بعض أهل السنّة، فإنّهم قالوا:
الممكن لا يغيّر بانعدامه ممتنعا. و محال عند غيرهم لاستحالة تخلّل العدم بين شيء
واحد بعينه، فإذن لا يكون المعاد عين المبتدأ بل إن كان و لا بدّ، فهو مثله. قواعد
العقائد للمحقّق الطوسيّ: 44.
و اختلف الناس في أنّ الشيء إذا عدم عدما
محضا بحيث لم يبق له هويّة في الخارج أصلا: هل يمكن إعادته بعينه مع جميع عوارضه و
مشخّصاته التي كان بها شخصا معيّنا أم لا؟ فذهب مشايخ المعتزلة القائلون بثبوت
المعدوم إلى أنّ ذلك ممكن، بناء منهم على أنّ ماهيّته ثابتة حالة العدم، فإذا وجد
حصل له صفة الوجود لا غير و ذاته باقية له في الحالين.
و قالت الأشاعرة بعدمه لأنّه قد بطلت ذاته و
صار نفيا محضا، لكنّه يمكن إعادته لما يأتي من دليلهم.
و قالت الحكماء و المحقّقون من المتكلّمين-
كأبي الحسين البصريّ و محمود الخوارزميّ و غيرهما- بامتناع إعادته بعينه، و اختاره
المحقّق الطوسيّ و المصنّف. إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 394.