إنّما يصل إلى الخشب بواسطة القدوم. و كذلك نقول
هنا: إنّ فعل الإنسان إنّما يقع بواسطة قدرته و إرادته لاستحالة صدور الفعل
الاختياريّ بدونهما، و لا شكّ في كونهما من فعل اللّه تعالى.
و أمّا بيان الملازمة فلأنّ الفعل بدون آلته
محال فيكون علّة له، و علّة العلّة علّة.
و الجواب: أمّا تفصيلا فلأنّه لا يلزم من كون
آلة الفعل من اللّه أن يكون الفعل منه، و إلّا لكان الحدّاد فاعل السيف هو القاتل
للوليّ فيذمّ أو للكافر فيمدح، و اللازم كالملزوم في البطلان و هو ظاهر. سلّمنا،
لكن ذلك موهم للإيجاب لوجوب وجود الفعل عند انضمام الإرادة إلى القدرة، فهو مناف
لكون العبد فاعلا بالاختيار.
قلنا في الجواب: إنّه و إن أوهم الإيجاب لكنّه
غير مناف للاختيار، لأنّ مرادنا بالاختيار: جواز الفعل و عدمه نظرا إلى القدرة
المستقلّة، و الوقوع تابع لداعيه و القصد فهو مسبوق بهما. و الإيجاب الحقيقيّ غير
مسبوق بهما، كالنار في إحراقها و الماء في تبريده.
فإن سمّوا ذلك الوقوع تبعا لداعيه و القصد
إيجابا، فهو مصطلح لا مضايقة فيه.
و أمّا إجمالا فلأنّ دليلكم لو صحّ بجميع
مقدّماته، لكان لقائل أن يقول: كلّما كان فعل العبد موقوفا على وجوده، و وجوده من
فعل اللّه ففعل العبد من فعل اللّه، لكان أسهل من قولهم و أبين. لكن ذلك باطل
قطعا لأنّا نعني بكون العبد فاعلا أي مباشرا قريبا، لا أنّ جميع ما يتوقّف عليه
فعله يكون منه، و هو ظاهر.
قال: شبهة أخرى و جواب- قالوا أيضا: علمه
تعالى يتعلّق بفعل العبد، فيكون تركه ممتنعا إذ لو فرض تركه لزم كون علمه تعالى
جهلا، و اللازم محال فالملزوم مثله. و إذا كان تركه ممتنعا كان العبد مجبورا.
قلنا: هذا أيضا يوهم الإيجاب، و أمّا الجبر
فلا. و يلزمهم مثله في فعل البارئ تعالى، و كلّ ما أجابوا به فهو جوابنا. على أنّا
نقول: العلم لا يكون علما إلّا إذا طابق المعلوم، فيكون تابعا للمعلوم، فلو كان
مؤثّرا في المعلوم كان المعلوم تابعا له، فيدور.
و إذا لم يكن مؤثّرا لم يلزم الإيجاب.
أقول: هذه الشبهة الثانية لهم، و هي أقول ما
لهم من الشّبه. و تقريرها: أنّ الافعال