و اعلم أنّ الحسن و القبح قد يكونان شرعيّين، و
هو ظاهر لا خلاف فيه. و قد يكونان عقليّين. ثمّ العقليّان يقالان على ثلاثة معان:
الأوّل: الحسن ما كان صفة كمال
كقولنا: العلم حسن. و القبيح ما كان صفة نقص كقولنا: الجهل قبيح.
الثاني: الحسن ما كان ملائما
للطبع كالحلو من الطّعوم. و القبيح ما كان منافيا كالمرّ منها، و لا خلاف في كون
هذين عقليّين.
الثالث: الحسن ما يستحقّ على
فعله المدح عاجلا و الثواب آجلا، و القبيح ما يستحقّ على فعله الذمّ عاجلا و
العقاب آجلا.
و اختلف في هذا، فقالت المجبّرة: هو شرعيّ أيضا.
و قالت الفلاسفة و العدليّة- و هم المعتزلة و الإماميّة-: هو عقليّ. لكن عند
العدليّة عقليّ بالعقل النظريّ، و عند الفلاسفة بالعقل العمليّ.
فقول المصنّف: «أنكرت المجبّرة و الفلاسفة» أراد
أنّ المجبّرة أنكرت ذلك مطلقا و الفلاسفة بالعقل النظريّ. و المراد بالنظريّ ما
كان متعلّقه ليس للقدرة الإنسانيّة فيه تصرّف، و بالعمليّ ما كان للقدرة
الإنسانيّة فيه تصرّف، و به يتمّ نظام النوع.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ لأهل العدل على مطلوبهم
دلائل كثيرة:
منها أنّهما لو كانا شرعيّين لما حكم بهما من لا
يقول بالشرع كالبراهمة[1]. و اللازم كالملزوم في البطلان، أمّا اللازم
فبطلانه ظاهر، فإنّ البراهمة يحكمون بالحسن و القبح بالمعنى المذكور. و أمّا بيان
الملازمة فلانتفاء المعلول بانتفاء العلّة.
و منها أنّهما لو انتفيا عقلا انتفيا شرعا، و
اللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم.
و أمّا الملازمة فلأنّه إذا لم يحكم العقل بقبح
الكذب مثلا لم يحكم بقبحه من الشارع،
[1]البراهمة: قوم لا يجوّزون على اللّه
بعثة الرسل. و أكثر ما يوجدون في الهند. محيط المحيط: 38.
و قيل: هم قوم من منكري الرسالة، و يعبدون
مطلقا، لا من حيث نبيّ و رسول، بل يقولون: ما في الوجود شيء إلّا و هو مخلوق للّه
تعالى. فهم معترفون بالوحدانيّة لكنّهم ينكرون الأنبياء و الرسل مطلقا. كشّاف
اصطلاحات الفنون 1: 149.