و هو ينقسم باعتبارات متعدّدة، أورد المصنّف
منها ما يتعلّق بغرضه في هذا الباب، و هو الحسن و القبيح. و لذلك لم يأت بأقسامه
كلّها بالفعل.
[تعريف الحسن و القبح العقليّين]
إذا عرفت هذا فنقول: الفعل إمّا أن يكون له صفة
تزيد على حدوثه يكون مبدأ للحسن أو القبيح أولا. و الثاني كحركة النائم و الساهي.
و الأوّل إمّا حسن و هو ما للقادر عليه العالم به أن يفعله، أو ما لم يكن على صفة
مؤثّرة في استحقاق الذمّ.
و إمّا قبيح و هو بخلافه في التفسيرين، أي ما
ليس للقادر عليه العالم به أن يفعله، أو ما كان على صفة مؤثّرة في استحقاق الذمّ،
و الحسن إمّا أن ينفر العقل من تركه أولا.
و الأوّل الواجب، و الثاني إمّا أن يترجّح فعله
و هو الندب، أو يترجّح تركه و هو المكروه، أو يتساويا و هو المباح، فأقسام الفعل
حينئذ خمسة: واجب و ندب و مكروه و مباح و قبيح.
قوله: «و لذلك يذمّ العقلاء» إلى آخره، يريد
بيان كون الواجب ينفر العقل من تركه و القبيح ينفر العقل من فعله، فإنّ العقلاء
يذمّون تارك الواجب و فاعل القبيح، فلو لا نفرة العقل من ذلك لما توجّه الذمّ
عليهما، لكن أحدهما في جانب الترك و الآخر في جانب الفعل.
[ردّ من أنكر الحسن و القبح العقليّين]
قال: أصل- أنكرت المجبّرة[2] و الفلاسفة
الحسن و القبح و الوجوب العقليّة.
و لأهل العدل عليها دلائل. و الأولى إثباتها
بالضرورة لأنّ الاستدلال لا بدّ من انتهائه إليها.
أقول: لمّا ذكر أنّ الفعل ينقسم إلى الحسن و
القبيح، و الحسن ينقسم إلى الواجب
[1]يطلق الفعل عند المتكلّمين على صرف
الممكن إلى الوجود، و عند الحكماء هو: كون الشيء من شأنه أن يكون، و هو كائن في
وقت من الأوقات. و يطلق الفعل عند الحكماء أيضا على قسم من العرض و هو التأثير. و
قد عرّفه القاضي أبو يعلى من المعتزلة بأنّه هو الحادث الذات من محدثه. المعتمد في
أصول الدين: 133، كشّاف اصطلاحات الفنون 2: 1143، محيط المحيط 696.
[2]المجبّرة: هم القائلون بالجبر. و الجبر
هو نفي الفعل حقيقة عن العبد و إضافته إلى الربّ. مقالات الإسلاميّين 1: