أقول: هذه الشبهة متوقّفة على حكاية قول
الفلاسفة في هذا الباب، فنقول: مذهب أرسطو أنّ النفس حادثة صادرة من العقل
الفعّال، و هو العاشر. و قد تقدّم حكاية قولهم في كيفيّة صدور الموجودات عن البارئ
تعالى[1]، بناء منهم على أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد. و حدوث
النفس مشروط باعتدال المزاج، و المزاج كيفيّة حاصلة من تفاعل العناصر بعضها في
بعض، بأن تفعل كيفيّة أحدهما في مادّة الآخر فتكسر صرافة كيفيّتها.
و قال أيضا باستحالة اجتماع نفسين على بدن واحد،
و هو ضروريّ فإنّ كلّ واحد يجد نفسه واحدة. و أيضا لو اجتمع على بدن واحد نفسان
لزم وحدة الاثنين فتكون الذات ذاتين، و هو محال.
إذا تقرّر هذا قالوا: لو وقعت الإعادة- كما
ذكرتم من الجمع بعد التفريق- فلا بدّ حينئذ من اعتدال المزاج. و إذا اعتدل المزاج
استحقّ فيضان النفس عليه من العقل الفعّال، و على قولكم تعاد إليه نفسه الأولى.
فيلزم اجتماع نفسين على بدن واحد، و هو محال لما تقدّم.
و الجواب أنّ هذا الكلام كلّه مبنيّ على أنّ
البارئ تعالى موجب، و أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد و نحن قد بيّنّا من قبل
بطلان المسألتين معا، و أثبتنا الفاعل المختار، فلا ضرورة لنا إلى جواب هذه
الهذيانات.
[الثواب و العقاب]
قال: أصل- الثواب و العقاب الموعودان دائمان، و
كلّ من استحقّ الثواب بالإطلاق خلّد في الجنّة، و كلّ من استحقّ العقاب بالإطلاق
خلّد في النار، و كلّ من لم يستحقّهما كالصّبيان و المجانين و المستضعفين لم يحسن
من الكريم المطلق تعذيبهم، فيدخلون الجنة أيضا. و أمّا من جمع بين الاستحقاقين فإن
كان متوعّدا عليه توعّدا مطلقا لا بعينه أمكن بالإمكان العامّ أن يعفو اللّه تعالى
عنه بفضله و كرمه لأنّه وعده به مع حسنه، و خلف الوعد قبيح. و أيضا الغرض من خلقه
إثابته، فمعاقبته نقض غرضه. و إن لم ينله عفوه، أو كان متوعّدا عليه بالتعيين،
فإمّا أن يحبط أحد