الخامسة: أنّه يجب الانقياد و
الامتثال لشريعته صلى اللّه عليه و آله لقوله تعالى: فَلا وَ رَبِّكَ
لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً[1]. و ذلك عامّ
بالنسبة إلى كلّ الأشخاص الإنسانيّة، لقوله تعالى: وَ ما
أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً[2].
قال: أصل- لمّا أمكن وقوع الشرّ و الفساد و
ارتكاب المعاصي بين الخلق، وجب في الحكمة وجود رئيس قاهر، آمر بالمعروف، ناه عن
المنكر، مبيّن لما خفي على الأمّة من غوامض الشرع، منفّذ لأحكامه ليكونوا إلى
الصلاح أقرب و من الفساد أبعد، و يأمنوا من وقوع الفتن، فكان وجوده لطفا. و قد ثبت
أنّ اللطف واجب عليه تعالى، و هذا اللطف يسمّى إمامة، فتكون الإمامة واجبة.
أقول: لمّا فرغ من بحث النبوّة شرع في بحث
الإمامة، و لمّا كان التصديق بشيء مسبوقا بتصوّره وجب تعريف الإمام أوّلا ثمّ
النظر في أحكامها، فنقول:
[تعريف الإمامة]
الإمامة: رئاسة عامّة في امور
الدين و الدنيا لشخص إنسانيّ على وجه التّبع و الخلافة. فالرئاسة جنس قريب لها، و
تقييدها بالعموم فصل يخرج به رئاسة القضاة و الولاة في بلد خاصّ أو حال خاصّ، و
قولنا: «في امور الدين» خرجت رئاسة ملك عمّت رئاسته الدنيا خاصّة، و قولنا: «و الدنيا» خرج
رئاسة العلماء، و قولنا: «لشخص إنسانيّ» التنوين فيه للوحدة، ففيه
إشارة إلى وجوب وحدة الإمام في كلّ عصر، و أنّه شخص معهود معيّن لا أيّ شخص كان، و
قولنا: «على وجه التبع و الخلافة» لتخرج النبوّة فإنّها أيضا رئاسة عامّة على
الوجه المذكور، فلا بدّ من فصل يخرجها.
[وجوب نصب الإمام على اللّه]
إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ الناس اختلفوا في وجوب
نصب الإمام، فأنكره بعض الخوارج[3]، و قال بوجوبها أكثر الناس. ثمّ اختلف
القائلون بوجوبها في أنّه هل هو عقليّ أو
[3]قالت النجديّة من الخوارج: إنّ الأمّة
غير محتاجة إلى الإمام و لا غيره، و إنّما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم. و هم
أصحاب نجدة بن عامر الحنفيّ. فرق الشيعة للنوبختيّ: 10، مقالات الإسلاميّين 1:
162، الملل و النحل 1: 112.