سمعيّ؟ فقال الأشاعرة و أكثر المعتزلة بالثاني،
و قال أبو الحسين البصريّ و الكعبيّ[1] و الجاحظ[2] و أصحابنا
بالأوّل[3]، لكنّ أصحابنا قالوا: «على اللّه»، أي
يجب في حكمته تعالى نصب رئيس لنا، و اولئك قالوا: «على الخلق». أي
يجب على الخلق نصب رئيس لدفع الضرر عنهم[4].
و الدليل على مذهب أصحابنا أنّ نصب الإمام لطف
للمكلّفين، و اللطف واجب على اللّه تعالى، فنصب الإمام واجب عليه، أمّا الكبرى فقد
سبقت، و أمّا الصغرى فلوجهين:
الأوّل: أنّه لما استولى سلطان
الشهوة و الغضب على المكلّفين و محبّة كلّ منهم لحصول مراده و كراهته لفواته و ميل
الطباع إلى الظلم و نفورها عن الانظلام، أمكن وقوع الشرّ و الفساد بينهم، فيستولى
بعضهم على بعض و يقع الهرج و المرج المؤدّيان إلى هلاكهم. و قد علم كلّ عاقل نزع
الهوى عن قلبه علما تجربيّا أنّه متى كان رئيس قاهر آمر بالمعروف و ناه عن المنكر
آخذ على أيدي الجناة حاسم لجرأة الطغاة، ارتفع ذلك الشرّ و الفساد، و كانوا إلى
الصلاح أقرب و من الفساد أبعد، و ذلك هو المراد باللطف كما مرّ فيجب وجوده في
الحكمة، و هو المطلوب.
الثاني: أنّه قد تقدّم وجوب
وجود شريعة قائمة بالعدل بين الخلق في سائر ما يحتاجون إليه، و ظاهر بيّن أنّ
الكتاب العزيز غير مشتمل على كلّ حكم جزئيّ يحتاج إليه و كذلك متواتر السنّة، فوجب
وجود شخص حافظ لجزئيّات الأحكام، مبيّن لغوامض
[1]عبد اللّه بن أحمد بن محمود الكعبيّ، من
بني كعب، البلخيّ الخراسانيّ، أبو القاسم. أحد أئمّة المعتزلة. و كان رأس طائفة
منهم تسمّى الكعبيّة. له كتب، منها: التفسير. تاريخ بغداد 9: 384، الأعلام
للزركليّ 4: 65.
[2]عمرو بن بحر بن محبوب الكنانيّ، أبو عثمان،
الشهير بال «جاحظ». كبير أئمّة الأدب، و رئيس الفرقة الجاحظيّة من المعتزلة.
له كتب كثيرة. تاريخ بغداد 12: 212، الأعلام للزركليّ 5: 74.
[3]قالت الأشاعرة بوجوب نصب الإمام، و
الطريق إلى معرفة هذا الوجوب السمع دون العقل. قال التفتازانيّ: نصب الإمام بعد انقراض
زمن النبوّة واجب علينا سمعا عند أهل السنّة و عامّة المعتزلة، و عقلا عند الجاحظ
و الكعبيّ و أبي الحسين البصريّ. الأربعين للرازيّ: 427، شرح المقاصد: 273، شرح
تجريد العقائد للقوشجيّ: 365.
[4]بعض المعتزلة و إن وافقونا في وجوب نصب
الإمام عقلا، و لكن خالفونا في أنّه هل يجب على اللّه أو على العقلاء؟ فقالت
المعتزلة بالثاني. و قالت الإماميّة بالأوّل، و استدلّوا عليه بأنّ الإمام لطف، و
اللطف واجب عليه تعالى عقلا، فيجب عليه نصب الإمام. الذخيرة في علم الكلام: 410،
تلخيص الشافي 1: 95، قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ: 35، كشف المراد: 284.