و بعضهم قال: إنّه لا يتمكّن من المعصية لخاصيّة
نفسانيّة أو بدنيّة تقتضي امتناع المعصية منه[1]. و الحقّ خلاف
ذلك إذ لو كان مسلوب الاختيار لزم أن لا يستحقّ مدحا و لا ثوابا. و اللازم
كالملزوم في البطلان، و الملازمة ظاهرة.
الثانية: الدليل على وجوب عصمة
الرّسل أنّ حصولها لطف و شرط في حصول اتّباعهم، و اللطف الذي هو شرط في الواجب
واجب، فالعصمة واجبة.
أمّا الصغرى، فلأنّه على تقدير عدم العصمة تنفر القلوب
و العقول عن الرسل، و يحصل الاستنكاف عن اتّباعهم. و أيضا لم يحصل الوثوق بإخبارهم
عن اللّه تعالى لجواز الكذب عليهم حينئذ، فلم يحصل الانقياد لهم. و مع وجودها
يكون الأمر بخلاف ذلك، فيكون العصمة لطفا، و ذلك هو المطلوب.
و أمّا الكبرى، فلأنّه لو لم يجب ما يتوقّف عليه
الواجب لزم خروج الواجب عن كونه واجبا، و هو باطل.
[تعريف المعجز و وجوب صدوره عن الرسل]
قال: مقدّمة- كلّ مبعوث من حضرته
تعالى إلى قوم، لو[2] لم يتأيّد بأمر خارق للعادة خال عن المعارضة مقرون بالتحدّي
موافق لدعواه، لم يكن لهم طريق إلى تصديقه، و يسمّى ذلك معجزة. فظهور معجزات الرسل
واجب.
أقول: قيل: لو قدّم هذا البحث على ما قبله
لكان أولى لأنه شرط في أصل النبوّة، و العصمة شرط في الاتّباع، و هو في المرتبة
الثانية. و فيه نظر لأنّ الأمر بالعكس، لأنّ العصمة وصف ذاتيّ في النبيّ يجب
تحقّقه ليجوز بعثته، فيكون حصول اتّباعه الذي يحصل بخلق المعجز بعده. و يمكن أن
يقال: إنّ وجوب المعجز شرط متّفق على وجوبه، بخلاف العصمة. و بالجملة لا مشاحّة في
تقديم أيّهما كان مع اتّفاقهما في الشرطيّة.
إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ في كلام المصنّف
فائدتين:
[1]قد نسب إلى بعض العامّة أنّ العصمة
خاصيّة في بدن المعصوم أو في نفسه لا يتمكّن معها على المعصية. قال في تلخيص
المحصّل: منهم من زعم أنّها مختصّة في بدن المعصوم أو في نفسه، تقتضي امتناع
إقدامه على المعاصي. و نقل التفتازانيّ عن بعضهم أنّها خاصيّة في نفس الشخص أو
بدنه يمتنع بسببها صدور الذنب عنه. تلخيص المحصّل: 368، شرح العقائد النسفيّة:
185.