على سبيل السهو لا العمد، لكن لعلوّ درجتهم لا
يؤاخذون بها. و عند بعضهم: يجوز على سبيل القصد، لكنّها تقع محبطة بكثرة ثوابهم. و
عند بعضهم أنّه يجوز على سبيل التأويل كما تأوّل آدم عليه السّلام حمل النهي عن
النوع بإرادة الشخص، فجوّز غيره من الأشخاص[1].
و اتفق هؤلاء كلّهم على اختصاص المنع بزمان
النبوّة لا قبلها.
و قال أصحابنا الإماميّة: إنّهم معصومون من أوّل
العمر إلى آخره من الذنوب كلّها، صغائر و كبائر، عمدا و سهوا، و هو الحقّ. و كلام
المصنّف رحمه اللّه ينحلّ إلى مسألتين:
الأولى: في معنى العصمة، هو
أنّها لطف يمتنع معه وقوع القبائح و الإخلال بالواجبات لا على جهة الجبر بل مع
بقاء الاختيار[2]. فاللطف جنس، و قولنا: يمتنع ... إلى آخره، فصل يخرج به
باقي الألطاف، فإنّه مع تقريبها يجوز معها المخالفة بخلاف العصمة.
و قولنا: لا على جهة الجبر ... إلى آخره، ليس من
تمام الحدّ، بل هو ردّ على كلّ من حكم بأنّ المعصوم لا يقدر على المعصية، و هو قول
أبي الحسن الأشعريّ[3].
فرق: الجاروديّة، و السّليمانيّة، و البتريّة.
و أكثرهم يرجعون في الأصول إلى الاعتزال و في الفروع إلى مذهب أبي حنيفة، إلّا في
مسائل قليلة. المقالات و الفرق: 149، الفرق بين الفرق: 16، شرح المواقف: 628.
[1]إنّ آدم عليه السّلام أوّل النهي عن
الشجرة بالنهي عن الشخص، و كان المراد النوع فإنّ الإشارة قد تكون إلى النوع
كقوله: «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلّا به». حيث إنّ المراد منه
نوع الوضوء. نهج المسترشدين: 304.
[2]و اعلم أنّ الإماميّة قائلون بالعصمة
بالمعنى الذي ذكره المصنّف، و إليك نصّ عباراتهم:
قال أبو إسحاق بن إبراهيم بن نوبخت في كتابه «الياقوت»: العصمة لطف
يمنع من اختصّ به من الخطاء و لا يمنعه على وجه القهر، و إلّا لم يكن المأثوم
مثابا. أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 195. و قال الشيخ المفيد: العصمة من اللّه
لحججه هي التوفيق و اللطف، و الاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب و الغلط في دين
اللّه تعالى. و العصمة تفضّل من اللّه تعالى على من علم أنّه يتمسّك بعصمته. و
ليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح، و لا مضطرّة للمعصوم إلى الحسن، و لا
ملجئة له إليه. أوائل المقالات: 214.
و قال المحقّق الطوسيّ: العصمة هي كون المكلّف
بحيث لا يمكن أن يصدر عنه المعاصي، من غير إجبار له على ذلك.
قواعد العقائد: 31. و قال العلّامة الحلّي: هي
عبارة عن لطف يفعله اللّه تعالى بالمكلّف، لا يكون له معه داع إلى المعصية، و إلى
ترك الطاعة، مع قدرته عليهما. أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 196، كشف الفوائد في
شرح القواعد: 73.
[3]فسّر أبو الحسن الأشعريّ العصمة بالقدرة
على الطاعة و بعدم القدرة على المعصية. فالمعصوم عنده من يكون قادرا على الطاعة لا
غير، أو غير قادر على المعصية. و قد صرّح التفتازانيّ بأنّ العصمة عندنا عبارة عن
أن لا يخلق اللّه الذنب في العبد. تلخيص المحصّل: 368، أنوار الملكوت في شرح
الياقوت: 196، شرح العقائد النسفيّة: 184- 185.