المعاملة، فاقتضت الحكمة وجود سنّة عادلة
قانونيّة يرجع إليها عند وقوع التنازع، و إلّا لآل وقوع الشرّ و الفساد إلى هلاك
الأشخاص البشريّة المستلزم ذلك لارتفاع النوع، المطلوب في الحكمة بقاؤه.
ثمّ تلك السّنّة المسمّاة شريعة لو فوّض تقريرها
إلى الأشخاص لاستلزم التنازع المذكور أيضا لاختلاف الآراء و الأهواء في تقريرها.
فوجب كونها صادرة عن الجانب الإلهيّ.
ثمّ إنّه لمّا لم يكن البارئ تعالى قابلا للإشارة
الحسّيّة و المواجهة و المخاطبة وجب وجود واسطة بينه و بينهم، له وجه روحانيّ
لتلقّي الوحي الإلهيّ، و وجه جسمانيّ يخاطب به الأشخاص البشريّة، و ذلك هو النبيّ.
فوجود النبيّ لطف ضروريّ في بقاء النوع، فكان واجبا.
[الرسل معصومون]
قال: أصل- امتناع وقوع القبائح و
الإخلال بالواجبات عن الرّسل، على وجه لا يخرجون عن حدّ الاختيار- لئلّا تنفر عقول
الخلق عنهم، و يثقون بما جاءوا به- لطف. فيكون واجبا، و يسمّى هذا اللطف عصمة،
فالرسل معصومون.
أقول: لمّا فرغ من وجوب وجود النبيّ شرع في
ذكر صفاته، و قد ذكر منها وجوب العصمة. و قد اختلف الناس في ذلك، فقال الخوارج[1] بجواز صدور
الكفر عنهم
[1]الخوارج جمع الخارجة، و هم الذين نزعوا
أيديهم عن طاعة ذي السلطان من أئمّة المسلمين، و بالخاصّة هم الذين خرجوا على أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب، و لأنّه رضي بالتحكيم فرفضوه كما رفضوا معاوية. و يقال
لهذه الطائفة: الخوارج، و الحروريّة، و النّواصب، و الشّراة.
أمّا الخوارج، لأنّهم خرجوا على أمير المؤمنين
عليه السّلام.
و أمّا الحروريّة، فنسبته إلى حروراء، و هي
قرية بظاهر الكوفة، و بها كان أوّل تحكيمهم و اجتماعهم حين خالفوا عليّا عليه
السّلام.
و أمّا النواصب، فجمع ناصبيّ، و هو الغالي في
بغض عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و أمّا الشّراة- جمع شار- سمّوا أنفسهم بذلك
يزعمون أنّهم باعوا أنفسهم للّه على أنّ لهم الجنّة. يشيرون بذلك إلى قوله تعالى: إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ. التوبة/ 111. و هم فرق، منهم: المحكّمة، و الأزارقة، و النّجدات،
و الأباضيّة. المقالات و الفرق: 130، مقالات الإسلاميّين 1: 156، الملل و النحل 1:
105.