أصل- إذا كان الغرض من خلق العبيد مصلحتهم،
فتنبيههم على مصالحهم و مفاسدهم- ممّا لا تستقلّ عقولهم بإدراكه- لطف واجب. و أيضا
إذا أمكن، بسبب كثرة حواسّهم و آلاتهم و اختلاف دواعيهم و إراداتهم، وقوع الشرّ و
الفساد في أثناء ملاقاتهم و معاملاتهم، فتنبيههم على كيفيّة معاشرتهم، و حسن
معاملتهم، و انتظام امور معاشهم- التي تسمّى شريعة- لطف واجب. و لمّا كان البارئ
تعالى، غير قابل للإشارة الحسّيّة، فتنبيههم بغير واسطة مخلوق مثلهم غير ممكن،
فبعثة الرسل واجبة.
أقول: النبوّة لغة مشتقّة إمّا من الإنباء و هو
الإخبار، أو من النّبوّ و هو العلوّ[1] و اصطلاحا: رئاسة لشخص إنسانيّ مؤيّد من
اللّه بمعجزات ربّانيّة و علوم إلهيّة مستغن فيها عن واسطة بشر[2].
[1]النبيّ، إمّا مأخوذ من النّبإ، لإنبائه
عن اللّه تعالى، فهو فعيل بمعنى فاعل مهموز اللام. و إمّا مأخوذ من النّبوّ بمعنى
الارتفاع، فهو فعيل بمعنى مفعول غير مهموز. لسان العرب 1: 163، المصباح المنير:
591، محيط المحيط: 874.
[2]إنّ النبوّة في الاصطلاح عرّفت بتعاريف
يجمعها تعريف المصنّف، و إليك نصّ التعاريف من العامّة و الخاصّة. أمّا من
العامّة: فقال القاضي عبد الجبّار: النبيّ هو المبعوث من جهة اللّه. و قال
التفتازانيّ: الرسالة هي سفارة العبد بين اللّه تعالى و بين ذوي الألباب من
خليقته، ليزيح بها عللهم فيما قصرت عنه عقولهم من مصالح الدنيا و الآخرة. و قال
العلّامة القوشجيّ: النبوّة هو كون الإنسان مبعوثا من الحقّ إلى الخلق. شرح الأصول
الخمسة: 567، شرح العقائد النسفيّة: 164، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ: 357.
و أمّا من الخاصّة: فقال الشيخ الطوسيّ:
النبيّ في العرف هو المؤدّي عن اللّه تعالى بلا واسطة من البشر. الاقتصاد للشيخ
الطوسيّ: 151. و قال المحقّق الطوسيّ: النّبيّ إنسان مبعوث من اللّه إلى عباده
ليكلّمهم، بأن يعرّفهم ما يحتاجون إليه في طاعته و الاحتراز عن معصيته. تلخيص
المحصّل: 455. و قال العلّامة الحلّي: النبيّ هو الإنسان المخبر عن اللّه بغير
واسطة أحد من البشر. نهج المسترشدين: 58.