أمّا الفقهاء فلأنّهم يذكرون للأحكام الشرعيّة
عللا و أغراضا مناسبة لها، ككون القصاص للانزجار عن القتل[1] و تحريم
المسكر تحصينا للعقل[2]، إلى غير ذلك من الأغراض[3].
و أمّا الحكماء فإنّهم قالوا: كلّ حادث لا بدّ
له من علل أربع: الفاعل، و المادّة، و الصورة، و الغاية. و الغاية هي الغرض[4]. ثمّ الذي
يدلّ على بطلان قولهم أيضا أنّ الفعل الخالي عن الغرض عبث و العبث قبيح لاستحقاق
الذمّ عليه، و البارئ سبحانه منزّه عن القبيح كما تقدّم، و أيضا دلالة القرآن
كقوله: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ
إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ[5]. وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ
الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا[6]. وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ
الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[7].
الثالثة: أنّه لمّا ثبت كونه
تعالى كاملا مطلقا مستغنيا في ذاته و صفاته استحال عود الغرض إليه، و إلّا لكان
ناقصا مستكملا بذلك الغرض. بل الغرض إمّا كماليّة الفعل كما قلناه، أو كونه عائدا
إلى العبيد لا إليه تعالى.
الرابعة: لمّا ثبت أنّ أفعاله
تعالى لمصالح عبيده لزم ذلك- بطريق[8] النقيض- أنّ كلّ ما ليس فيه مصلحة
لعبيده فليس صادرا منه تعالى، بل من غيره.
[إنّ اللّه لا يفعل القبيح و لا يريده]
قال: تبصرة- قد بيّنّا حقيقة إرادته تعالى
لأفعال نفسه، و أمّا إرادته لأفعال عبيده فهو أمرهم بها. و الأمر بالقبيح يتضمّن
الفساد، فلا يأمر به. و بيّنّا أنّه لا يفعل القبيح
[3]إنّ فقهاءنا العظام ذكروا للأحكام
الشرعيّة عللا و أغراضا يجمعها أنّ الأوامر الشرعيّة و النواهي ناشئتان من المصلحة
و المفسدة، و الأصل في هذا، الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السّلام، منها:
ما ورد عن أمير المؤمنين و زوجته سيّدة نساء العالمين عليهما السّلام. نهج
البلاغة: 125 الحكمة 252، الاحتجاج للطبرسيّ 1: 79.
[4]النجاة من الغرق في بحر الضلالات: 518،
التحصيل لبهمنيار: 519.