أقول: ذهب أبو الحسين البصريّ إلى أنّ إرادته
تعالى هي علمه باشتمال الفعل على المصلحة، فإن كان من أفعال نفسه فعله، و إلّا أمر
به فالأمر عنده ملزوم الإرادة و مشروط بها.
و قال أبو القاسم البلخيّ[1]: إرادته لفعل
نفسه كما تقدّم، و لفعل غيره: أمره به، فالأمر عنده إرادة[2]. إذا تقرّر
هذا فهنا مسألتان:
الأولى: أنّه لا يأمر بالقبيح
لأنّ الأمر إمّا نفس الإرادة أو مشروط بها و على التقديرين إرادة القبيح عليه
تعالى محال. أمّا أوّلا فلأنّ القبيح لا مصلحة فيه، فلا تتعلّق به الإرادة، و أمّا
ثانيا فلأنّ الأمر بالقبيح و إرادته يشتملان على فساد ناش من وقوع القبيح أو
مشارفته، و قد تقدّم نفي الفساد عنه تعالى.
الثانية: أنّه تعالى لا يرضى
بالقبيح، و هو اتّفاق منّا و من الأشاعرة فإنّ الرضا بالقبيح قبيح كفعله، لأنّ
العقلاء كما يذمّون فاعله يذمّون الراضي به، و لقوله تعالى: وَ لا يَرْضى
لِعِبادِهِ الْكُفْرَ[3].
و اعلم أنّ الأشاعرة و إن وافقونا في عدم الرضا
بالقبيح فقد خالفوا في عدم إرادته، فإنّه عندهم مراد لكونه كائنا و اللّه سبحانه
مريد لجميع الكائنات عندهم، لأنّه فاعل لكلّها فهو مريد لها. و ذلك لأنّهم جعلوا
الرضا أمرا غير الإرادة، و ضرورة العقل تمنع المغايرة، و تحقيق ذلك في المطوّلات[4].
[1]أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود
البلخيّ و يعرف بالكعبيّ. عالم، متكلّم، رئيس أهل زمانه. له من الكتب:
كتاب المقالات و عيون المسائل و الجوابات، و
الغرر و النوادر. مات في سنة 309 ه. الفهرست لابن النديم: 219.
[2]اختلفوا في معنى إرادته تعالى، بعد
اتّفاقهم على أنّه مريد. فذهبت الأشاعرة إلى أنّها مغايرة للعلم و القدرة و سائر
الصفات. و ذهب المحقّق الطوسيّ و جماعة من رؤساء المعتزلة كأبي الحسين البصريّ و
أبي القاسم البلخيّ و محمود الخوارزميّ إلى أنّها هي العلم بالنفع، و يسمّى
بالدواعي. شرح تجريد العقائد للقوشجيّ: 315.
[4]اعلم أنّ الأشاعرة لمّا قالوا بأنّ
إرادة اللّه تعالى غير علمه و رضاه، فيمكن منهم القول بالانفكاك بين الرضا بالشيء
و الأمر به لأنّ الرضا بالشيء غير الأمر به. فعلى هذا المبنى قالوا: إنّ اللّه
تعالى و إن لم يرض بالقبيح و لكنّه يمكن أن يريد القبيح لأنّ إرادته متعلّقة بكلّ
كائن: فهو يريد من الكافر الكفر، و من الفاسق الفسق. و الإماميّة و المعتزلة لمّا
قالوا بأنّ