أقول: لمّا ثبت أنّ للعبد فعلا و للّه تعالى
فعل أيضا أراد أن يفرّق بينهما بإعطاء قاعدة كليّة يستحضرها من يريد الفرق، فقال:
كلّ ما يستحقّ العبد عليه مدحا كالعبادة أو ذمّا كالمعصية أو يقال له: لم فعلت؟
كتجارته و أسفاره، فهو فعله. و ما لا يكون كذلك كحسن صورته و ثقل جسمه أو خلق
السماوات و جعل الكواكب فيها، فليس ذلك بفعله، بل بفعل اللّه سبحانه.
[أفعال اللّه معلّلة بالأغراض]
قال: أصل- إذا ثبت أنّ فعل
البارئ تعالى تبع لداعيه، و الداعي هو العلم بمصلحة الفعل أو الترك، فأفعاله تعالى
لم تخل من مصالح[1]، أي إنّه إنّما يفعل لغرض.
و إذا ثبت أنّه كامل لذاته و مستغن عن الغير،
فتلك المصالح لم تعد إليه تعالى، بل إلى عبيده. و إذا ثبت أنّ أفعاله لمصالح
عبيده، ثبت بطريق العكس أنّ كلّ ما فيه فساد بالنسبة إليهم لم يصدر عنه تعالى.
أقول: في هذا الأصل فوائد:
الأولى: أنّ فعل اللّه تعالى
تبع لداعيه. و هذا تقدّم بيانه، و هو معنى كونه مختارا.
الثانية: أنّه تعالى يفعل لغرض،
إمّا بمعنى أنّه يسوق أفعاله إلى كمالاتها، و الغرض انسياقها إلى كمالاتها، و ذلك
ظاهر لمن تدبّر مخلوقاته. و إمّا بمعنى أنّه يفعل لمصالح ترجع إلى غيره، و الدليل
على ذلك أنّ الداعي هو العلم بمصلحة الفعل أو الترك الباعث على إيجاده، و إذا كان
كذلك فأفعاله تعالى لم تخل من الحكم و المصالح لأنّ ذلك لازم من كونه فاعلا
مختارا، و ذلك ثابت له بالبرهان و لازم اللازم لازم، فأفعاله تلزمها المصالح و
الحكم. و تلك المصالح و الحكم هي مرادنا بالأغراض، ففعله تعالى لا يخلو من غرض. و
هذا مذهب أصحابنا الإماميّة و المعتزلة[2] خلافا للأشاعرة
فإنّهم حكموا بسلب الغرض عن أفعاله تعالى[3]، و ذلك باطل باتّفاق
الفقهاء و الحكماء.
[2]ذهب أصحابنا الإماميّة و المعتزلة إلى
أنّه تعالى يفعل لغرض و لا يفعل شيئا لغير فائدة. و الدليل عليه أنّ كلّ فعل لا
يقع لغرض فإنّه عبث. كشف المراد: 238، الملل و النحل: 50.
[3]ذهبت الأشاعرة إلى أنّه لا يجوز تعليل
أفعاله تعالى بشيء من الأغراض و العلل الغائيّة، و إلّا لكان هو ناقصا في ذاته
مستكملا بتحصيل ذلك الغرض. شرح تجريد العقائد للقوشجيّ: 340.